/سارة طُهّماز/
يُولي القانون إدارة المناقصات، صلاحية إجراء المناقصات العامة، لتأمين حاجات الوزارات وإدارات الدولة، من اللوازم والأشغال والخدمات، عن طريق المناقصات العمومية، عندما تتجاوز قيمة كل منها مبلغاً معيناً، وتترك المجال لتأمين هذه الحاجات.
تعتمد في إجراء المناقصات أصول وأسس وإجراءات وقواعد المنافسة والعلنية والمساواة، لضمان حصول الدولة على أفضل نوعية بأقل سعر وأفضل الظروف. ويسمح القانون بتأمين حاجات الوزارات والإدارات بطرق أخرى، مثل استدراج العروض، أو التراضي، ويحدد لكل منها شروطاً خاصة، غير أن هذه الأصول والقواعد لا تشمل مؤسسات الدولة والبلديات غير الخاضعة لقانون المحاسبة العمومية. وبالتالي فإن نسبة ضئيلة من مجموع إنفاق الدولة كانت تخضع لإدارة المناقصات التي تتولى إجراء المناقصات العمومية. ويحاول الوزراء عادة انتهاك أصول هذه المناقصات بشتى الطرق، ومنها اختصار المُهل بطلب من الوزير الذي يوليه القانون هامشاً من التقدير والتقرير بهذا الشأن، وعن طريق تفصيل دفاتر الشروط على قياس شركات معينة تكون للوزير مصالح معها وله منها منافع وفوائد.
تستمد إدارة المناقصات أهمية دورها من صلاحياتها في وضع الملاحظات على دفاتر الشروط، والتحقق من توفر مختلف الشروط القانونية للمناقصة والمنافسة وعدد العروض.
استمر الوضع على هذا الحال حتى صدور قانون الشراء العام الذي يسري اعتباراً من 29 تموز 2022، بحيث باتت مناقصات جميع إدارات الدولة ومؤسساتها والبلديات، تخضع لرقابة وإشراف “إدارة المناقصات”، التي تتحول بموجب القانون الجديد وتنتقل بموظفيها إلى “هيئة الشراء العام”.
وفي هذا الصدد، لفت المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون، في حديث لموقع “الجريدة”، إلى أنه كانت لرئيس إدارة المناقصات جان العلية صولات وجولات في مواجهة محاولات تهريب مناقصة مفصلة على القياس، وأشهرها مناقصة البواخر خلال العام 2017، فقد جرى الطعن بعدة مواد من قانون الشراء العام أمام المجلس الدستوري. ومن هذه المواد بقاء مدير عام إدارة المناقصات على رأس الهيئة انتقاماً من جان علية ولتحييده والسيطرة على أعضاء الهيئة المفترض تعيينهم تطبيقاً للقانون الجديد.
وأوضح بيضون أنه “بناءً على متابعتي لموضوع إبطال مناقصة السوق الحرة، بعد 5 سنوات من إجرائها وقبل فترة قصيرة من انتهاء مدة التلزيم، وبالرغم من حصول الدولة على أضعاف إيرادات المزايدة السابقة، استنتجت أنها محاولة لإثارة الشبهة على جان علية، وتعطيل تطبيق قانون الشراء العام، لتستمر هيمنة بعض الوزراء على مناقصات وزاراتهم والتحكم بمجرياتها ونتائجها والانتفاع منها”.
وأضاف: “أما بالنسبة لمنفعة الاقتصاد من هذا الإبطال المشبوه، فهو غير صحيح، وإنما هناك ضرر معنوي يمكن أن ينال من ثقة الشركات الأجنبية بالدولة ومؤسساتها، وهذا بالطبع يلحق الضرر بمصالح الدولة، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي وصل اليها لبنان، وهو بأمس الحاجة لتشجيع الاستثمار فيه ودخول تمويل من الخارج يساهم في تحريك اقتصاده”.
في المقابل يوضح الخبير الدستوري والقانوني الدكتور عادل يمين لـ”الجريدة” أنه “إذا اعتمدنا معيار القوانين التي كانت سائدة قبل إقرار قانون الشراء العام في لبنان الصادر برقم 244 تاريخ 19/7/2021، نلاحظ تراجعاً لدور الوزير بنتيجة هذا القانون لمصلحة هيئة الشراء العام التي حلت محلّ إدارة المناقصات بموجب القانون عينه. أما إذا أخذنا معيار المادة 66 من الدستور التي تنص على أن يتولى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به، فيختلف التقييم بحسب اعتماد التفسير الواسع أو التفسير الضيق لدور الوزير استناداً إلى هذه المادة. ولكن في مطلق الأحوال، فإنّ مقتضيات الشفافية كانت توجب تعزيز الضوابط التي تحيط بكل عمليات الشراء العام”.
وتجدر الإشارة الى أن قانون الشراء العام هو أحد شروط صندوق النقد الدولي الإصلاحية تحت عنوان “اصلاح الإدارة العامة” ومكافحة الفساد الإداري والمالي.