سيناريوهان لـ”التأليف”.. هل تولد الحكومة قبل نهاية ولاية عون؟

/محمد حمية/

ماذا بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة الجديدة؟ سؤال يرتسِم على كُلّ شفة ولسان في ظل شبح الانهيار والجوع الذي يُخيّم على البلاد والعباد.

هل يريد اللاعبون المحليون فعلاً تأليف حكومة وفق حساباتهم ومواقيتهم السياسية؟ ومن رحم أي توازن قوى داخلي ـ إقليمي ـ دولي ستولد “الحكومة الميقاتية” الثانية في عهد الرئيس ميشال عون؟

تنقسم الآراء والتحاليل السياسية، بين من يستبعد ولادة حكومة قد تكون مدة تأليفها أكثر من عمرها في ظل خلاف مستعر بين المؤلفين، كونها سترِث صلاحيات رئيس الجمهورية وتُدير مرحلة الفراغ الرئاسي، وقد تحكم مدة عام وأكثر إن تأخر انتاج تسوية للأزمة اللبنانية، وبين من يعتقد بأن مسار انجاز الاستحقاقات الدستورية الذي بدأ بالانتخابات النيابية وانتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب، سيُكمل حلقته الحكومية تكليفاً وتأليفاً، انطلاقاً من إرادة وحسابات خارجية فرنسية ـ أوروبية وعدم ممانعة أميركية، بالحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الدستوري والسياسي والأمني في مرحلة انعدام الوزن والتوازن والضبابية في المشهد الإقليمي والدولي، إضافة الى مصلحة داخلية لدى القوى السياسية الرئيسية بوجود حكومة سريعة، وللأسباب التالية:

رئيس الجمهورية أسرّ للمقربين، أنه سيسعى لاستيلاد حكومة يختم بها عهده ببضعة إنجازات تُحفر في سجله الرئاسي: التدقيق الجنائي الذي ستُعلن نتائجه من بعبدا، بحسب قول عون، الكهرباء، وتغيير حاكم مصرف لبنان، وخطة استعادة الودائع والأموال المنهوبة والمهربة. لذلك سينّكب عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على مفاوضة ميقاتي، ومقايضته، بين تسهيل التأليف ومشاركة التيار في الحكومة ومنحها الثقة النيابية، مقابل رأس رياض سلامة، وإنجاز التدقيق الجنائي في مصرف لبنان والكهرباء..

لذلك تحتاج بعبدا حكومة أصيلة لتمرير هذه الملفات، كما أن ليس من مصلحة “الجنرال” وباسيل الولوج الى مرحلة الفراغ الرئاسي من دون حكومة أصيلة قادرة على الحكم وإدارة الفراغ وتهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية.

أما ميقاتي فتُشير أوساطه لموقع “الجريدة” الى أنه يستعجل تأليف حكومة، وسيُذلّل العقبات التي تعترض توقيع مراسيم الحكومة وسينفتح على الكتل كافة، ولن يفرط بتجديد الدعم الأميركي ـ الفرنسي لعودته الى السراي، وسيقوم بجوجلة مطالب النواب في المشاورات النيابية، لبلورة مسودة أولية يقدمها الى بعبدا خلال الأسبوع المقبل. ويدرك ميقاتي أن نجاحه بتمرير المرحلة بأقل الخسائر، سيمد بعمره في السراي الحكومي إلى أجل غير مسمى، بدعم خارجي وتقبل داخلي، وقد يتحول إلى “الرئيس الذهبي” لحكومات العهد الجديد.

أما ثنائي حركة أمل وحزب الله، فسيعملان، وفق ما تقول أوساطهما لـ”الجريدة”، لتسهيل التأليف الى أقصى حد، وسيقدمون التنازلات، باستثناء وزارة المالية، انطلاقاً من مخاوفهم الجدية من الانهيار الاقتصادي المقبل والحتمي إن استمر الفراغ، وبالتالي انفلات الأوضاع الاجتماعية والأمنية على غاربها، ما يشكل ثغرة وطنية كبيرة يستغلها العدو الإسرائيلي في مرحلة تتطلب أقصى التضامن الوطني للدفاع عن ثروات لبنان النفطية. لذلك ستلعب عين التينة، مع حليفها ميقاتي، و”الضاحية” مع حليفتيها بعبدا و”اللقلوق”، الدور المحوري لرأب الصدع بين بعبدا والسراي، وتذليل العقد لولادة طبيعية للحكومة. كما يسعى الحزب الى ملء الفراغ السياسي برئيس الحكومة المناسب لتقطيع المرحلة بأقل الخسائر، حتى يتضح مشهد المنطقة باتجاه التسويات للملف النووي الإيراني والقضايا السورية واليمنية والعراقية، أو باتجاه التصعيد في ضوء زيارة الرئيس الأميركي الى المنطقة.

لجهة حزب القوات اللبنانية، يعتمد سياسة “اضرب واهرب”، فيسدد عن بُعد، ضربات سياسية متتالية على رأس غريميه عون وباسيل من دون المواجهة المباشرة، وينتظر على رأس التل ليرى “جثة العهد” وهي تمر في النهر، ليعلن وفاته وتحميل مسؤولية فشل العهد وخراب البلد لباسيل لإقصائه عن السباق الى كرسي بعبدا، أو إضعاف موقفه التفاوضي في اختيار الرئيس المقبل، ليتبوأ رئيس القوات سمير جعجع سدة صناعة رئيس الجمهورية، إن لم تتوافر فرصة وصوله الى قصر بعبدا. لذلك تتجنب معراب خوض معركة حكومة آنية لن تُعمّر أكثر من شهور قليلة، وتُسخّر طاقاتها لمعركة رئاسة الجمهورية أولاً، ومعركة أولى حكومات العهد الجديد ثانياً والتي ستحظى بالعمر الدستوري المديد، ربما حتى الانتخابات النيابية العام 2026، إن لم تسقط بضربة سياسية أو اقتصادية ـ مالية او اجتماعية ـ أمنية، كحال حكومتي الرئيسين سعد الحريري عقب زلزال 17 تشرين 2019، وحسان دياب غداة انفجار 4 آب 2020.

يُضاف الى هذه العوامل الداخلية، قوة دفع أوروبية لخلق مرحلة استقرار بحكومة كاملة الصلاحيات، لاحتواء أزمة النازحين واستكمال الإصلاحات ومفاوضات صندوق النقد، واحتمال توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع الاحتلال الإسرائيلي، لضمان بدء الاحتلال الإسرائيلي استخراج الغاز لنقله الى أوروبا قبل حلول الشتاء القارس، في ظل خطر توقف الغاز الروسي بسبب الحرب الروسية ـ الأوكرانية.

أما سيناريوهات التأليف، فتتلخص بالتالي:

ـ نجاح ميقاتي خلال أسبوعين أو شهر، بتأليف حكومة التفاهم الممكن مع بعبدا، تكون شبيهة بالحكومة الحالية بتوازناتها السياسية والطائفية، مع تعديل طفيف يطال أسماء بعض الوزراء والحقائب وتمثيل بعض المكونات النيابية الجديدة كبعض قوى التغيير وكتلة النواب الـ11 التي منحت أصواتها لميقاتي مُذيلة بالميثاقية السنية. وتتولى هذه الحكومة لجم الانهيار وإدارة فترة الشغور الرئاسي بحال تعذر انتخاب رئيس للجمهورية قبل 31 تشرين الأول المقبل.

وتطرح في الكواليس صيغ حكومية عدة أهمها:

  • نسخة عن حكومة تصريف الأعمال بطاقم وزاري جديد، مع الحفاظ على التوازنات الجديدة باستثناء تمثيل الكتل النيابية الجديدة الراغبة في المشاركة.
  • حكومة مصغرة من 18 وزيراً يتم الإبقاء على 12 وزيراً منها، واستبدال الستة الآخرين بجدد يعبرون عن التغيير الذي لحظه مجلس النواب الجديد. وهذا الطرح الأكثر ترجيحاً وواقعية ويفضله ميقاتي ويؤيده حزب الله وفق معلومات “الجريدة”.

ـ فشل الرئيس المكلف بالتفاهم مع رئيس الجمهورية على صيغة حكومية تلبي طموحات عون وباسيل لمرحلة ما بعد نهاية الولاية الرئاسية الحالية، وتدخل البلاد في حالة الشغور الرئاسي والفوضى الدستورية والاقتصادية والأمنية، في ظل فراغ حكومي لن يُملأ إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ويكون عون وباسيل ربطا استحقاقي تأليف حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية، ما يعزز موقف باسيل التفاوضي في استحقاق رئاسة الجمهورية، إلى أن يتم التوصل الى تسوية تفتح الباب على إنجاز الاستحقاقين معاً. وفي هذه الحال يبقى ميقاتي رئيساً مكلفاً ومصرفاً للأعمال حتى سقوط تكليفه في 31 تشرين الأول، فيبقى فقط مصرفاً للأعمال حتى تأليف حكومة جديدة.