خطوات الخروج من الأزمة الاقتصادية: جراحة تحتاج إلى طبيبٍ جريء

/ سارة طهماز /

ما يحتاجه لبنان اليوم هو غرفة إنعاش كبيرة تسعف هذا الجسد المتهالك الذي إعتصرته الأزمات، ونهشه تجار الدم والأعضاء، وباعوا كل عضو منه في سوق سوداء مقابل أثمان هم وحدهم من استفاد منها، وبات القلب المتمثل بالمواطن الأصيل يبحث عن أعضاء بديلة كحل لإستمرارية الجسد.

الحلول كثيرة، بحسب خبراء الإقتصاد والمتابعين لهذا المجال، خطوة واحدة حقيقية بقرار جريء وتطبيق مصحوب برقابة فعلية، كفيلة بشفائه من كافة الأمراض والعلل.. فهل سيعمل مجلس النواب الجديد وبالتالي الحكومة على هذا المقلب؟

هَمّ المواطن اليوم تأمين لقمة الخبز ومواجهة الإستحقاقات النقدية التي يتكبدها كل شهر، من كهرباء وغذاء ودواء، وبعد أن مارس الديمقراطية بانتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد، هل سيصل المواطن إلى سفح الجبل الذي سعى جاهدا إلى تسلقه؟

نحن اليوم أمام واقع مأزوم، وجزء من الأزمة بنيوي يتعلق بطبيعة النموذج الإقتصادي المتبع، الذي كان يعتمد على إقتصاد ريعي، وأهمل الإقتصاد الإنتاجي، من زراعة وصناعة، وجزء اَخر يتعلق بالسياسات الإقتصادية الخاطئة واغفال المشاريع التنموية التي يمكن من خلالها مواجهة الأزمات الأخرى.

ولكن ما أوصلنا إلى هذا الكم من الإنهيار هو دخول السياسة بعواملها الثلاثة: الداخلية والإقليمية والعالمية، تضافرت في ما بينها وعملت على تفاقم الأزمة وتدمير الإقتصاد اللبناني تدميراً ممنهجاً.

استراتيجية الخروج من الأزمة

منذ 17 تشرين الأول وحتى اليوم، لم تحصل خطوات إصلاح جدية تذكر، وعليه، فنّد الدكتور في علم الإقتصاد أحمد جابر، استراتيجية عملية للخروج من الأزمة، والتي تبدأ بالإصلاح السياسي، عبر الإبتعاد عن المناكفات والإستعرضات والإتفاق على كيفية إنقاذ لبنان وإعادة بناء إقتصاد جديد، عبر إقرار قانون الأحزاب، حيث أن لبنان اليوم يعمل وفق قانون البلديات. يجب إيجاد قانون أحزاب عصري وحقيقي بعيداً عن الثنائيات والثلاثيات وغيرها، ليكون لكل حزب حقوق وواجبات تخلق المنافسة في ما بينها والتي بالتالي تزيد الإنتاجية، بالإضافة إلى قانون إنتخابي جديد منصف في الدورة المقبلة، ليكون النائب المنتخب مناسباً لتمثيل الأمة وإتخاذ قراراتها. إذاً نحن بحاجة إلى قانون انتخابي عصري يحاكي المرحلة ويخرج عن القيد الطائفي، والقانون المناسب هو لبنان دائرة واحدة.

أيضاً على المستوى السياسي، يجب إطلاق العجلة السياسية السليمة القائمة على الديمقراطية، وان يتحول لبنان، من لبنان المحاصصة والإستفادة الشخصية إلى لبنان الشراكة الحقيقية. وعلى المستوى السياسي يجب انشاء مجلس الشيوخ الذي أكد عليه اتفاق الطائف لتخفيف الإحتقان الطائفي في لبنان، وإحكام الرقابة الشاملة على عمل الحكومة، والإلتزام بالمهل الدستورية.

وعلى المستوى الإقتصادي

اقرار استراتيجية التشغيل الوطنية، التي تحقق النمو الإقتصادي، فإن “أي إقتصاد لا يولّد فرص عمل، هو إقتصاد مريض”، فلنضغط بإتجاه القطاعات الإنتاجية عبر رسم السياسات الإقتصادية، والتحول من الإقتصاد غير المنظم إلى اقتصاد منظّم، أي الإلتزام بالضرائب والضمان الإجتماعي، حماية ثروة لبنان النفطية التي تعتبر أساس بالنسبة للبنان، وضع اَليات للتحول التدريجي من الإقتصاد الريعي إلى الإقتصاد الإنتاجي عبر قواعد إنتاج تخفف العجز في الميزان التجاري والمدفوعات وتقلل الضعف في احتياطي العملات الصعبة والإنهيار في الليرة اللبنانية، وتعتبر مراقبة قانون المنافسة اساس التقدم التكنولوجي والإقتصادي والإجتماعي، والعبرة بالتطبيق حيث أن هذا القانون موجود ولكن ليس هناك مراقبة لتطبيقه.

احدى المشاكل التي نعاني منها هي عدم وجود سياسات تنموية، ليس هذا فحسب، إنما خلال الإستحقاق الإنتخابي لم نسمع أحد من المرشحين يقدم أي مشروع يتعلق بالإنماء، مع العلم أننا نعاني من مشكلة نفايات وغيرها من الأمور العالقة. بالإضافة إلى مشكلة الكهرباء وهي آفة الوقت الراهن، حيث أن دخل المواطن اللبناني مهدور على الكهرباء، غير مشكلة المياه مع أننا بلد تكثر فيه المياه، لكن لا معالجة لهذه المشاكل. لدى القطاع الخاص الإمكانيات والكفاءات التي تمكنه من العمل مع القطاع العام وتولّد الشراكة إنماء إجتماعي، فليقرّ قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

على المستوى النقدي والمصرفي

توحيد سعر الصرف بعيداً عن التعاميم التي تزيد من حدّة الأزمة، بعد البدء بالخطوات الإنتاجية، وتوقيف الإستيراد وزيادة الصادرات وجذب العملات الصعبة.

اعادة هيكلة النظام المصرف، حيث أن هناك 62 مصرفاً عاملاً في لبنان يجب دمجها. إقرار قانون الكابيتال كونترول، واسترداد الأموال المهربة التي تم تهريبها عبر اختراق ثغرات القانون، من دون وجود رقابة على هذا الموضوع، حماية أموال المودعين عبر طروحات عدة. ترميم قانون السرية المصرفية لكي تواكب المعايير الدولية لنكافح الفساد وأن تكون مجدداً جاذب للأموال الخارجية.

النقطة الأساسية التي يجب أن تكون على جدول الأعمال، إقرار موازنة للدولة والتي كانت سبباً رئيسياً في الأزمة الموجودة في البلد، إعادة هيكلة النظام الضريبي بعيداً عن الضرائب غير المباشرة والتركيز على ضرائب العقارات وغيرها من الضرائب التي تحقق العدالة.

استعادة هيبة الدولة بسن القانون وتنفيذه والرقابة عليه، وهي التي ستؤدي إلى إنتظام أعمال الدولة، وهي تحتاج إلى قيادة حكيمة وسيادة كاملة وإقتصاد مزدهر وقطاع مصرفي واعد.

لم يعد بمقدورنا الإختلاف في الإقتصاد بعيداً عن الإختلافات السياسية التي أدت إلى تداخل الأمور وتدهورها، فلم يعد هناك إمكانية للإختلاف إلا في حال الإتحاد.