القدس و”الأقصى” و”البراق”.. مواقع تُجسّد معالم الهوية ومستقبل القضية

/محمد حمية/

تشهد مدينة القدس في فلسطين المحتلة منذ صباح اليوم مواجهات عنيفة بين المستوطنين “الإسرائيليين” الذين اقتحموا المسجد الأقصى بـ”مسيرات الأعلام”، وبين المقدسيين والمرابطين الفلسطينيين في المسجد لصد الهجوم “الإسرائيلي” على المقدسات الإسلامية والمسيحية الذي يتم بتسهيل فاضح من حكومة وشرطة الاحتلال.

وتدور رُحى المعارك في القدس التي تختزن أهم المقامات الدينية عند المسلمين والمسيحيين كالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وغيرهما وكذلك تجسد معالم للهوية التاريخية العربية الاسلامية والمسيحية.

فما هي طبيعة وأهمية الموقع الذي يشهد أعنف المواجهات التي شدت أنظار العالم أجمع قبل حصولها؟ ولماذا؟

علاوة على الرمزية الدينية لهذه المواقع والمقامات، تكتسب أهمية سياسية، إذ تعد هذه الأماكن مركز وقلب الصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي” والعربي – الصهيوني عموماً منذ عقود من الزمن، ولازالت حتى الآن، إذ أن سيطرة “إسرائيل” على القدس الشرقية والمسجد الأقصى تحديداً، سيطمس الهوية العربية والفلسطينية – الإسلامية والمسيحية للقدس والمسجد الأقصى، كما سيحسم هذا الصراع لمصلحة “إسرائيل” وتتمكن من “توحيد القدس” كعاصمة لكيانها المصطنع وبالتالي إعلان “الدولة اليهودية” أو “يهودية الدولة” المزعومة، ما يعني دفن الدولة الفلسطينية الموعودة وفق القرارات الدولية، وتصفية القضية الفلسطينية.

القدس

تقع القدس ضمن سلسلة جبال الخليل وتتوسط المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط والطرف الشمالي للبحر الميت، وقد نمت هذه المدينة وتوسعت حدودها كثيرًا عما كانت عليه في العصور السابقة.

القدس الشرقية: تُعرَف أيضاً باسم المدينة القديمة وتحتوي على مجموعة من المعالم الأثريّة الدينيّة، ومن أهمّها المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة.

القدس الغربيّة: تُعرَف أيضاً باسم المدينة الجديدة، وتشمل العديد من الأماكن الحديثة.

وتخضع القدس لسيطرة الاحتلال “الإسرائيلي” منذ احتلالها عام 1967، حيث عمد جيش الاحتلال عبر العقود الماضية، إلى إحراق المسجد الأقصى وتهويد القدس وتنفيذ حملات التطهير العنصري وطرد الفلسطينيين وزيادة الاستيطان والاعتداء على الفلسطينيين ومنعهم من أداء الصلاة في المسجد الأقصى وفي كنيسة القيامة.

المسجد الأقصى

المسجد الأقصى هو أحد أكبر مساجد العالم وأول القبلتين في الإسلام. يقع داخل البلدة القديمة بالقدس في فلسطين. وهو كامل المنطقة المحاطة بالسور.

وتبلغ مساحته قرابة 144,000 متر مربع، ويشمل قبة الصخرة والمسجد القِبْلي والمصلى المرواني ومصلى باب الرحمة، وعدة معالم أخرى يصل عددها إلى 200 معلم. ويقع المسجد الأقصى فوق هضبة صغيرة تُسمى “هضبة موريا”، وتعد الصخرة أعلى نقطة فيه، وتقع في قلبه.

وكلمة “الأقصى” تعني الأبعد، وسُمِّيَ الأقصَى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض، وفقًا للآية القرآنية الكريمة “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”.

تكون المسجد الأقصى من سبع مصليات أو مساجد معمدة مع عدة قاعات صغيرة إضافية من الجهة الغربية والشرقية من الجزء الجنوبي من المسجد.

ويتألف المسجد الأقصى من مساجد عدة أهمها:

المصلى المرواني

مصلى الأقصى القديم

مسجد قبّة الصخرة

مسجد البراق

مصلى البراق أو “حائط المبكى”

هو الحائط الذي يحد الحرم القدسي من الجهة الغربية، أي يشكل قسما من الحائط الغربي للحرم المحيط بالمسجد الأقصى، ويمتد بين باب المغاربة جنوبا، والمدرسة التنكزية شمالا، طوله نحو 50م، وارتفاعه يقل عن 20م.

ويعتبر من أشهر معالم مدينة القدس، ولهذا الحائط مكانة كبيرة عند أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية. إذ يُذكر في بعض المصادر الإسلامية أنه الحائط الذي قام الرسول محمد بربط البراق إليه في ليلة الإسراء والمعراج.

في المقابل يعتبره اليهود الحائط الأخير الباقي من هيكل سليمان، ويمكنهم الاقتراب منه للصلاة فيه.

وشهد المسجد الأقصى الكثير من المواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين وشرطة الاحتلال وأيضاً محاولات اقتحام عدة وإحراق وهدم. كما شهد على انتفاضات فلسطينية عدة أهمها “انتفاضة الأقصى” في 28 أيلول 2000 ، حيث قام أرئيل شارون وأعضاء من حزب الليكود بزيارة المسجد الأقصى، مما تسبب بانتفاضة كبيرة.

ويمثل هذا الحائط “شماعة” المزاعم التاريخية لليهود الذين يعتقدون بهدم “هيكل سليمان” ويسعون لاعادة بنائه، بالتالي السيطرة عليه سيمنح لليهود فيما بعد فرصة “اثبات” صحة “النظرية الصهيونية” بمسألة “هيكل سليمان” ووجوده تحت مسجد “قبة الصخرة”، ما يدفعهم لهدم المسجد الأقصى، لذلك بات هذا الموقع مسألة حياة أو موت عند الفلسطينيين “والاسرائيليين” في آن معاً.

باب العامود

ويسمى أيضاً باب نابلس وهو من أهم وأجمل أبواب مدينة القدس المحتلة في فلسطين. ويكتسب الأهمية كونه المدخل الرئيسي للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق.

يقع باب العامود في الجهة الشمالية من السور المحيط بالبلدة القديمة في القدس، عند بداية انحدار الوادي الذي يقطع البلدة القديمة من الشمال إلى الجنوب، والذي يعرف حاليا عند أهل القدس باسم طريق الواد.

“مسيرة الاعلام”

تحت شعار “توحيد القدس”، وفي تقليد سنوي، ينفذ المستوطنون اليهود من اليمين المتطرف “مسيرة الأعلام” أو “يوم القدس” وهي احتفالات بدأت مع احتلال “إسرائيل” للقدس الشرقية في أعقاب حرب حزيران 1967.

ويقوم بالمشاركة بالاحتفال الآلاف من القوميين اليهود بحيث يأتون إلى المدينة ويقومون بالسير عبر الشوارع والأزقة من أجل إحياء ذكرى احتلال الجزء الشرقي، والكثير من المشاركين من المراهقين والصبيان يحملون “الأعلام الإسرائيلية” وأيضاً مكبرات الصوت ويغنون ويرقصون على الكثير من الأغاني القومية.

في عام 2021 غيرت السلطات “الإسرائيلية” مسار المسيرة قبل ساعة من موعدها بعد تهديدات حركة حماس. وانتشرت الشرطة في أنحاء البلدة القديمة في محاولة لمنع المشاركين “الإسرائيليين” في المسيرة من الوصول إلى باب العامود.

لكن اليوم وفي ظل التحديات والمآزق الخطيرة التي يواجهها الكيان “الإسرائيلي” وانشغال دول العالم الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا وأوروبا في أزماتها وصراعاتها وحروبها، يبحث الكيان عن “انتصارات” وهمية يعوض خلالها الانتكاسات والوهن الذي يعانيه، ولذلك يحاول اختراق صفوف الفلسطينيين المرابطين في القدس والاقصى للوصول الى نقطة النهاية وهدم المسجد الأقصى وتوحيد “القدس”، ما ينذر بخطر اندلاع حرب كبرى بعدما رسمت فصائل المقاومة الفلسطينية خطاً أحمر دونه اعلان الحرب العسكرية.