/ علاء حسن /
اعتاد اللبنانيون، خلال عقود من الزمن، على فكرة التسويات السياسية، خصوصاً في القضايا الداخلية، لما فيها من تشابك في المصالح بين المتخاصمين، وأهمهما مصالحهم الاقتصادية والسياسية العابرة للطوائف.. وحتى للوطن!
وكان من الطبيعي أن يشهد اللبنانيون خطابين للأطراف السياسية، واحد جماهيري يشد العصب الفئوي، وآخر تفاوضي يكون داخل الغرف المغلقة. على أن ما يغلب على الدوام هو ما يتم الاتفاق عليه في الغرف المغلقة، لا الشعارات التي تطلق في العلن.
وفي هذا السياق، احتدت المواقف بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي، ومع بداية الولاية الجديدة للمجلس النيابي، وأصبحت هناك مواقف مرتفعة الأسقف ترتبط بتوجهات الأطراف المتنافسة، وحتى المتحالفة، وكل ذلك يهدف إلى تحسين الشروط في المفاوضات الجارية عبر الاتصالات، المستمرة منذ ما قبل الانتخابات وأثناءها وما بعدها.
وتشير المعلومات الواردة إلى أن المواقف المعلنة من غالبية الأطراف لا تعدو كونها استمراراً للشعارات الانتخابية، من أجل عدم حصول خيبة سريعة لدى الناخبين، من دون أن يعني ذلك عدم حصول تبدل في المواقف التقليدية، خصوصاً في ظل الكباش الإقليمي، وتوجهات اللاعبين، الإقليمين والدوليين على حد سواء، بضرورة إحداث تغيير ما في الخريطة السياسية اللبنانية الداخلية.
إلا أن الثابت في الأمر، بحسب المراقبين، أن الهيكل لا يزال متماسكاً إلى حد بعيد، وأن الأطراف كافة لا تنوي إيجاد خلل في أركانه، وإن كان لكل طرف غاياته التي تختلف عن الباقيين.
لذلك، وبحسب المصادر المطلعة، فإن موضوع إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة البرلمان لولاية سابعة، وإن برزت كمادة دسمة للتجاذب بين المؤيدين والمعارضين، لكنه أصبح واضحاً أن المعارضين لإعادة الانتخاب ليسوا في سلة واحدة، وأن البعض منهم يوصل رسائل للخارج في أنه ماضٍ بسياسة التغيير المعتمدة من قبلهم، خصوصاً بعد الخيبة الكبيرة التي طالت أطرافاً خارجية في نتائج الانتخابات، وفي الكتلة الشعبية الكبيرة التي صوتت لصالح الثنائي الشيعي الذي حصل على المقاعد السبعة والعشرين المخصصة للطائفة كافة، من دون حصول أي خرق يمكن النفاذ من خلاله، بالإضافة إلى الفوز الذي حققه “التيار الوطني الحر”.
أما البعض الآخر، فإنه يعمل على تحسين شروطه في الاستحقاقات المقبلة منذ الآن، ابتداءً بنيابة رئاسة البرلمان، وصولاً إلى حصته الحكومية، وانتهاءً بانتخابات رئاسة الجمهورية التي تفصلنا عنها أقل من نصف العام.
وفي هذا الإطار تشير مصادر “حزب الله” إلى أنه مرتاح لقضية إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري، لكون الكتلة الشيعية في البرلمان غير مخترقة من جهة، وبالتالي لا مجال لانتخاب شخص غير الرئيس بري، ولكون الرسائل التي تصل عين التينة وحارة حريك تنبئ بتمرير هذا الاستحقاق، وإن ليس بالأكثرية المطلقة كما جرت العادة في الدورات السابقة.
لكن وفي المقلب الآخر، ظهرت كتلتا المجتمع المدني (التغييريين) والمستقلين كحالة ضبابية لغاية الآن، فيما يبدو، من خلال المعلومات المتداولة وسياق الاتصالات الجارية، أنهم لن يتمكنوا من تكوين كتلة برلمانية موحدة لوجود تباينات سياسية حادة في ما بينهم، فضلاً عن صلات بالأحزاب التقليدية بدأت تطفو على السطح، الأمر الذي قد يدفع هؤلاء الباحثين عن امتدادات لهم في المجلس وفي الدولة، إلى الانخراط مع تكتلات تقليدية كبيرة تؤمن لهم الغطاء السياسي للاستمرار في العمل في الندوة البرلمانية ضمن تجربة حديثة العهد، كي لا تتحول التجربة إلى فشل يمنع تكرارها في الانتخابات القادمة.
أخيراً هناك أقل من أسبوعين يفصلان عن انتهاء مهلة دعوة إلى الجلسة الأولى، والتي ستشهد مناكفات سياسية علنية، واتصالات تفاوضية سرية ستفضي في نهاية المطاف إلى ما يظهر من نتائج خلال الجلسة الأولى، وعندها يمكن البناء على ما تم وما ستؤول إليه بقية الاستحقاقات.