التعلم والعمل لأبناء المدن فقط!

/كارلا قمر/

انخفضت نسبة الالتحاق بالمؤسسات التعليمية من 60٪ إلى 43٪ بين العام الدراسي 2020-2021 والعام 2021-2022، بحسب تقييم اليونيسف. واستنادا إلى التقرير ذاته، أن 31٪ من الشباب والشابات خارج دائرة العمل، التعليم أو التدريب. وهذه النسب تعد مخيفةً ما سيرفع من نسبة هجرة الشباب اللبناني.
ومن الأسباب المهمة التي تقف وراء هذه الظواهر، والتي لا يتم إعطائها المساحة الكافية عند طرح قضايا الشباب، هي تمركز الجامعات في المدن وكذلك الأمر بالنسبة لمؤسات العمل، المعامل والشركات.
بالنسبة للجامعات، فقد تكون جامعة الوطن، أي “الجامعة اللبنانية”، منتشرةً على كامل الأراضي اللبنانية، إلا أن ذلك يقف على اختصاصات معينة، في غيابٍ شبه تام لبعض الاختصاصات المحصورة في فرعين أو ثلاثة موزعة على مناطق الساحل اللبناني فقط.
هذا لن يترك لأبناء القرى سوى حل واحد، وهو اللجوء إلى التخصص الجامعي في المدن، ما سيدفعهم إلى التفكير بخطوتين؛ إما اللجوء إلى تأمين سكن قريب من كليتهم، وهو أمر مكلف، أو الاضطرار إلى التنقل يوميا بين القرية والمدينة.
هذان الخياران مشتركان بين من يبحث عن العلم ومن يبحث عن العمل. وهنا، تظهر الحسابات المخيفة التي تُبيّن أن كلفة النقل في الشهر، تتخطى قيمة معظم رواتب الموظفين. أما عن الخضوع لتدريب، فسيكون مكلفاً، للأسباب عينها، ما يدفع بأصحاب المؤسسات إلى وضع مكان السكن كشرط أول، لقبول موظفين ومتدربين، حتى قبل التعرف على ما يملكون من خبرات.
هذا ما دفع ببعض الشباب اللبناني، إلى اتخاذ قرارٍ حاسمٍ واللجوء إلى الهجرة، بعد أن تُركوا لخيارين، لا ثالث بينهما. فأصبح الشباب اللبناني يتأرجح ما بين التشرد خارج البلاد، لتأمين ظروف عيش مقبولة “نوعا ما”، بعد أن أصبحت رواتب اللبنانيين منخفضة حتى في بلاد الإغتراب. أو فقدان الاستقرار على أرض الوطن، في حال وقوع الاختيار على الخيار الثاني. ففي لبنان فقط، يمكن أن نعارض ما يقال عن أن “الوضع لا يتغير بين ليلةٍ وضحاها”، لأن في “بلد يترنح”، من الممكن أن ينام المواطن على سلم، ويستيقظ وسط المعارك، فالإنذارات معطلة.
ومن الأرقام المخيفة التي يمكن ذكرها، عند الحديث عن تعرفة النقل العام، والحيز الذي تسيطر عليه من الرواتب، أو ما تفرضه من هامش بدل نقل على عاتق أصحاب العمل، هي تلك التي يصطدم بها أبناء المناطق البعيدة. فأصبحت تكلف أبناء منطقة الهرمل، على سبيل المثال، بين 170 و200 ألف ليرة لبنانية، للوصول إلى بيروت. وفي حال بُعد مكان عمل الفرد عن أبعد محطة تصل إليها وسيلة النقل، سيضطر إلى دفع تكلفة نقل “السرفيس” في المدن أيضا، وهذا المبلغ يجب أن نضيف عليه ضعفه كي نصل إلى المبلغ الذي يدفعه المعني يوميا. أما من منطقة الشتورة، فتكلف حوالي ال80 ألفا ومن منطقة الشوف، قد تتخطى ال 55 ألفا بحسب المنطقة التي انطلق منها الشخص، وهي أرقام مرجحة للارتفاع.
المشكلة تنبثق من خللٍ في قطاع المواصلات، وعدم تنظيم النقل البري، مع انتشار الحافلات والميكروباصات التابعة لشركات خاصة، لنقل الناس من العاصمة بيروت إلى بعض البلدات، القرى والمدن. “فأصبح قطاع النقل في لبنان مملوكا من قبل القطاع الخاص بنسبة 99 بالمئة”، بحسب وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال، علي حمية.
ولم يتم إقرار خطة دعم قطاع النقل العام مع “استمرار وجود حوالي 50 ألف سائق عمومي من دون ذكر السائقين غير النظاميين، والذين يبلغ عددهم حوالي 80 ألفا بين سيارات وباصات نقل”، نقلا عما ذكره رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان، بسام طليس. هذا ما يجعل عملية ضبط التسعيرة أمرا صعبا، فيقع المواطن ضحية إهمال هذا القطاع.
ومن النقاط الأبرز التي تناولها الوزير حمية، خلال مؤتمرٍ صحافي عقده الأسبوع الماضي، “تبني خطة متكاملة على كافة الأراضي اللبنانية ضمن استراتيجية للنقل الوطني المتعدد الوسائط”.
كما كشف عن وعودٍ عدة، منها ما تحقق جزئيا كـ”وصول الدفعة الأولى من الباصات الفرنسية إلى مرفأ بيروت”، والتي وصلت إلى لبنان. كذلك تطرق خلال حديثه إلى خطوة “السعي الفوري لإعادة الحافلات الـ 45 التي تمتلكها الدولة إلى العمل الفعلي”.
وهنا تظهر تمنيات المواطن بألا يصح هنا قول “على الوعد يا كمون”، وألا يتم وضع هذا الملف في الدرج إسوةً بغيره من الملفات المعيشية، حفاظا على الحق في التعلم والعمل كما اعترف بهما الدستور اللبناني.