إنتخبت.. ولكن!؟

\ فاطمة ضاهر \

انتظر اللبنانييون يوم 15 ايار، بفارغ الصبر، للإدلاء بأصواتهم وانتخاب من يعتقدون أنه سينهض البلد، ويعمل على حل الازمة المالية والاقتصادية والمعيشية التي تسيطر على لبنان منذ تشرين 2019.

انتخابات 2022، التي اتسمت بالأهمية والخطورة، برأي فريق من جهة، والأسوأ بسبب الظروف اللوجستية والمعيشية والأمنية برأي فريق آخر، هي محط اهتمام اللبنانيين المقيمين والمغتربين ودول العالم أجمع.

يعلّق م.ح. البالغ من العمر 24 عاماً، وهو من فئة الشباب الذين ينتخبون للمرة الاولى، وقد جاءت محطة الانتخاب ضمن أصعب الظروف وأخطر مراحل يمر بها لبنان، ويصف مشهد الانتخاب بالقول: “لطالما كنت أحلم وأنتظر اليوم الذي أستطيع فيه الإدلاء بصوتي ورأيي ومعتقداتي، والمشاركة في صنع القرار، واختيار الرؤساء في البلد، طامحاً للبنان أفضل على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها، وقد جاءت الظروف التي سأحقق فيها حلمي المنشود ضمن المرحلة الأكثر حساسية والأكثر دقة، والتي تستوجب درس وفهم عميق للبرنامج الانتخابي الذي سأصوت لأجله، وأن أحرص على أن يكون صوتي للجهة التي أؤمن بقدراتها وفعاليتها وأمانتها في تحقيق برنامجها الانتخابي، في سبيل النهوض بما تبقى من وطن”.

في صباح اليوم الباكر، توجهت للمركز الذي يجب أن أقترع فيه، وحملت معي هويتي اللبنانية التي تثبت حقي في المشاركة بالعملية الانتخابية، عند وصولي تهت كجميع التائيهن، وبدأت البحث عن اسمي في السجلات لأعرف رقم الغرفة المخصصة، وانتظرت دوري وأنا أتأمل الناس من حولي، حاولت أن أراقب كيفية الإقتراع وآلية الانتخاب، من أخذ ورقة اللوائح مع المغلّف الأبيض من ثم وضعه في صندوق الاقتراع، وصولاً الى التوقيع الى جانب اسمي، وختامها البصم، وتلوين اصبعي بالمحبرة”.

تقريباً، العملية كانت مرسومة في مخيلتي، وأنا أنتظرها وأشاهدها منذ سنوات، وهي لم تتغير عملياً، الا أن المفاجئ في الأمر أن الشيء الوحيد الذي لاحظت تغييره منذ سنوات، هو شغفي وحماسي للإدلاء بصوتي، والمشاركة بحقي في الإقتراع واختيار من يمثلني في مجلس النواب، شغفي الذي كان سبب اندفاعي وسبب تعلقي وتشبثي برأيي في تغيير البلاد، لم أجده، لا بالعكس، وأنا أقف بانتظار دوري، للحظة نسيت لِمَ أنا واقفة بين هذه الزحمة من الناس، ونسيت حلمي وحماسي لتحقيقه على مدى سنوات، وبدأ صبري ينفذ، وصرت أتأفّف وأطلب من المندوبين والقيمين تسريع عملهم، لكي أقوم بإدلاء صوتي في صناديق الاقتراع والخروج سريعاً، كأنني أردت الهروب من هذه اللحظات التي لطالما انتظرتها!

لم أستطع تحديد سبب هذا الشعور الغريب الذي راودني، أو سبب فقداني لحماسي، أو سبب هروبي بهذه الطريقة… فأنا نفسي لم أستطع تحديد هذه الأسباب، وليس عندي أية أجوبة أرضي بها شغفي وحماسي وشعوري بالمسؤولية”.

يمكن أن أنسب الذي حصل من “برودة في الشعور”، الى الاوضاع السيئة والصعبة على كافة الصعد في لبنان. لا يمكن نكران تأثير الاوضاع على اللبنانيين وخصوصاً نحن الشباب، الذين فقدنا الأمل بلبنان أفضل منذ فترة طويلة، لبنان اليوم بالنسبة لنا هو لبنان البطالة، لبنان العتمة، لبنان الديون، لبنان الذي يفتقد مواطنيه لأدنى مقومات العيش، لبنان الذي يهاجر طلابه النخبة الى بلاد الاغتراب ولا يفكر بالعودة، لبنان التضخم، لبنان الذي يعيش أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر، لبنان الطوابير، لبنان الذي لا أمن ولا أمان على أرضه وفي شوارعه…

كيف لعقل يطمح بالتغيير والإنماء والنهوض بقطاعات البلد ويأمل بتأمين عيش كريم، ويرجو أن لا يهاجر وطنه، ويتغرّب لسنوات لمجرد أنه شاب طموح تخرج من جامعته، متخصصاً باختصاص لا تعترف به المؤسسات العامة ولا الخاصة، إلاّ لمحسوبياتهم، او في حال تكرمت عليه المؤسسة ووظفته بدخلٍ لا يتناسب مع خبرته وكفاءته التي عمل على اكتسابها خلال حياته. كيف لشاب إذا قرر أن يرتبط بفتاة وممارسة حقوقه بالزواج والإنجاب، ولم يستطع أن يستأجر منزلاً يؤويه ويؤوي عائلته المفترضة، لأن إيجارات المنازل، ناهيك عن أسعار المفروشات والكهربائيات وغيرها من المستلزمات، لا تتناسب مع أجور متدنية جداً، وفاقدة لقيمتها.

مع ذلك، لم أتخلَّ عن حقي في المشاركة في اختيار من يمثلني، وأدليت بصوتي لمن أرى أنه يستطيع المساعدة نوعاً ما، والنهوض ببعض الأزمات التي يعاني منها البلد، على الأقل بحسب ما ذكروا في برامجهم الإنتخابية.. على أمل أن نستفيق غداً على نتائج، قد تساعد في إنماء ما تبقى من وطن!