السبت, يونيو 21, 2025
spot_img
الرئيسيةSlider"الرصاص الطائش" يكشف عجز الدولة!

“الرصاص الطائش” يكشف عجز الدولة!

spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

في لبنان، لم يعد الموت حكراً في الحروب أو الكوارث، بل بات يسكن الهواء، يتربّص بالمارة، يخترق النوافذ، ويسقط الأبرياء بلا إنذار.
الرصاص الطائش، هذه الظاهرة العبثية التي تكرّرت مراراً وتحوّلت إلى جزء قاتل من مشهدنا اليومي، تكشف أكثر من مجرد استهتار بالحياة، إنها تفضح عجز الدولة، وتدلّ على انهيار منظومة العدالة، وتكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.

خلال السنوات الأخيرة، سجلت عشرات الحوادث المؤلمة التي راح ضحيتها أطفال ونساء ورجال لا علاقة لهم بالمُطلقين، ولا بالمناسبة التي أطلقت فيها النار.

في حزيران 2022، توفي شاب في طرابلس إثر إصابته برصاصة خلال احتفال أحد الأحزاب بفوز مرشحيه في الانتخابات النيابية. وفي تموز 2023، قتلت طفلة لا يتجاوز عمرها السنتين في منطقة عاليه بعدما أصيبت برصاصة طائشة في رأسها بينما كانت تلعب في باحة المنزل.
أما في أيار 2025، فسقط شاب قتيلاً في عكار، بعد إصابته برصاصة طائشة أثناء إطلاق نار كثيف عقب إعلان نتائج الانتخابات البلدية، ليكون مثالاً جديداً على الاستهتار الجماعي بالحياة، ونتيجة مأساوية لفشل الأجهزة الرسمية في ضبط الشارع.

ثقافة إطلاق النار العشوائي، سواء في الأعراس أو الجنازات أو عند إعلان نتائج الانتخابات أو حتى خلال مباريات كرة القدم، باتت سلوكاً جماعياً شبه معتاد.

لكن المأساة الكبرى ليست فقط في من يضغط الزناد، بل في من يحميه، أو يتغاضى عنه، أو يرفض تسليمه إلى العدالة.

ففي بلد يشهد انتشاراً واسعاً للسلاح غير الشرعي، تبدو السلطة عاجزة، بل في أحيان كثيرة متواطئة، إما بسبب ضعف الإمكانيات، أو بسبب التوازنات الطائفية والسياسية التي تمنع أي مساس بالمسلحين.

ورغم أن القانون اللبناني يجرّم إطلاق النار العشوائي، إلا أن تنفيذه نادر، والعقوبات لا تطبق إلا في حالات استثنائية وبضغط شعبي أو إعلامي.

في المقابل، لا وجود لحملات توعية فعالة ولا برامج تربوية تهدف لتغيير هذا السلوك الجماعي. وهكذا، يُترك المواطن رهينة رصاصة لا يعرف متى تأتي، ولا من أين، ولا لماذا.

الأرقام، على فظاعتها، لا تروي كل الحقيقة. فبحسب تقارير أمنية نشرت في 2023، سجل أكثر من 420 حادث إطلاق نار عشوائي في عام واحد، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 17 شخصاً وإصابة العشرات. لكن هذه الأرقام، على الأرجح، أقل من الواقع، لأن كثيراً من الحالات لا تُبلغ أو تُقيد ضد مجهول.

المسؤولية لا تقع فقط على من يطلق النار، بل على دولة اختارت الصمت، ومجتمع اعتاد الرصاص كما يعتاد العيد. ومع كل جنازة جديدة، وكل صورة لطفل ضحية، يعود السؤال ذاته: هل هناك أمل بأن تتغيّر الأمور؟ الجواب ليس بسيطاً، لكنه يبدأ من الإقرار بأن الأرواح ليست تفاصيل، وأن هيبة الدولة لا تقاس بالكلام، بل بالفعل، وبالقدرة على حماية أبنائها من الموت العبثي، لا من “عدو خارجي”.

إلى أن تتحقق هذه الحماية، سيبقى الهواء في لبنان مهدداً بالدم، والسماء محمّلة بخطر، والأرض مليئة بأحزان كان يمكن تجنبها.

spot_img
مقالات ذات صلة
spot_img