لا “استراتيجية دفاعية” قبل التحرير.. والباقي تفاصيل

| غاصب المختار |

غريبة بعض الشيء الهجمة الإعلامية والسياسية في موضوع استعادة الدولة لسيادتها على كامل أراضيها، لا سيما في الجنوب، بعد تخفيف عبارة نزع سلاح “حزب الله” إلى عبارة “حصرية السلاح بالدولة”، وهو يدل على اهتمام بالشكليات وترك جوهر المشكلة الكامنة في الاحتلال، والتراخي أمام الإملاءات الأميركية، والدعم الأميركي المفتوح لكل ما يقوم به الإحتلال من قتل وتدمير في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع ومناطق أخرى.

والسؤال المشروع الذي طرحه أحد نواب ثنائي “أمل” و”حزب الله”هو: “كيف يمكن الحديث عن سحب السلاح في ظل هذه الاعتداءات المستمرة؟ أنا لا أكشف سراً إذا أعلنت بأن ترتيب ملف السلاح مع الدولة اللبنانية لن يبدأ بمعزل عن بدء الحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية مفاوضات جديّة مع الدول الداعمة للعدو لوقف العدوان أولاً، ولتقديم رؤية شاملة حول انسحابه من كل الأراضي اللبنانية المحتلة، بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا”. ويضيف: “بصريح العبارة أقول، إن موافقة الحزب على البحث في أي استراتيجية دفاعية لن يبدأ قبل تحرير كل الأرض وبسط الجيش اللبناني سلطته على كل حبة تراب من الجنوب اللبناني، ووقف استباحة العدو للبنان براً وبحراً وجواً”.

هذا الموقف الوطني يختصر جوهر الأزمة، فلا سيادة لدولة على أراضيها ما بقي شبر واحد منها محتلاً، وبالتالي لا يستقيم الكلام الرسمي والمنمّق، ومن بعض القوى السياسية “السيادية حديثاً”، عن سيادة الدولة قبل تحرير آخر نقطة يحتلها العدو الاسرائيلي، أما الباقي فهو تفاصيل، تتعلق بكيفية تحريرالأرض، بالمقاومة المسلحة الشعبية والرسمية أم بالتفاوض السياسي أو التقني، أم بالإثنين، معاً كما فعلت دول وشعوب كثيرة لنيل استقلالها واستعادة أراضيها المحتلة؟

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكلام الغربي، والأميركي تحديداً، عن بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، لا يستقيم لا بالمنطق ولا على الأرض، في ظل عوامل أساسية مازالت قائمة وأبرزها:

– عدم السماح بتسليح الجيش اللبناني بالسلاح النوعي الدفاعي وليس بالضرورة الهجومي، بما يمكّنه من التصدي لأي اعتداء إسرائيلي، وهو قرار أميركي بالدرجة الأولى، ولذلك لا يحق للإدراة الأميركية الكلام عن بسط سلطة الدولة اللبنانية وسيادتها على أراضيها طالما أن هذه الإدارة تدعم العدوان الاسرائيلي وتمنع لبنان من التصدي لأي اعتداء.
– تحيّز دول لجنة الإشراف الخماسية على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار والقرار 1701 إلى جانب الاحتلال، والاكتفاء بتسجيل الخروقات، والوعود الكاذبة وغير المجدية عملياً ـ لوتمت ـ بإجراء اتصالات مع كيان الاحتلال لمنع الاعتداءات.
– ضعف الدولة اللبنانية سياسياً أمام الاملاءات الأميركية، وصمتها عن تراخي لجنة الإشراف الخماسية على تنفيذ قرار وقف اطلاق النار والقرار 1701 الذي تخرقه قوات العدو الإسرائيلي يومياً أكثرمن مرة، وعدم مبادرتها إلى أي إجراء عملي يدفع دول اللجنة، وهي برئاسة أميركية، إلى ممارسة الضغط الكافي على الاحتلال لوقف عدوانه أولاً، والانسحاب من النقاط المحتلة ثانياً، وإطلاق سراح الأسرى، قبل البحث بأي أمر آخر، والاكتفاء بالتذمر والشكوى لأميركا وفرنسا.
– الحملة الهيستيرية على المقاومة ووصفها “بالسرطان الذي يجب استئصاله”، كما قالت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، ووضع نزع سلاح المقاومة في أولوية الاهتمامات الأميركية خدمة للأمن الصهيوني. بما يعني ـ مع ضعف إمكانات الجيش اللبناني وتقييده ـ نزع أي عامل قوة وتوازن ولومحدود من يد لبنان.
– عدم اقتناع بعض القوى السياسية بكل الوقائع التي أثبتت تاريخياً، أن “إسرائيل” هي العدو لكل اللبنانيين، وأن أطماعها بالأرض والمياه والبحر والجو ما زالت قائمة منذ تأسيس كيانها.

عندما تنتفي كل هذه العراقيل أمام استعادة الدولة سيطرتها على كامل أراضيها، وعندما يمتلك لبنان القوة السياسية والعسكرية بوجه الاحتلال لتحرير أراضيه، يمكن عندها الكلام عن استعادة السيادة. أما في ظل الاحتلال، فمثل هذا الكلام عن السيادة يبقى “فولكلور لبناني سطحي وسخيف ولا قيمة حقيقة له”.

error: Content is protected !!