| جورج علم |
تركت إنطلاقة العهد دوّياً على الصعيدين الإقليمي والدولي، وزارت لبنان ـ ولا تزال ـ وفود دبلوماسيّة متخصّصة، لمعرفة مدى القدرة على على وضع ما جاء في خطاب القسم، والبيان الوزاري للحكومة، موضع التنفيذ.
وبكل صدق، وأمانة، أسرد بعض خلاصات ما هو متداول في كواليس دبلوماسيّة، تعكس أصداء أميركيّة ـ أوروبيّة ـ غربيّة.
لم يكن خطاب القسم على مستوى تحديات المرحلة. لم يقرأ المتغيرات الدوليّة والإقليميّة بواقعيّة، وإنتباه، ومدى إنعكاساتها على لبنان، أمنيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً. كان خطاب الوعود. يحاكي الجراح المفتوحة في جسم الوطن، ويعد بالإصلاح والتغيير، تاركاً للحكومة هامشاً عريضاً كي ترسم خريطة الطريق، وتحدّد الأهداف المرجوّة، وكيفيّة التحرّك لبلوغها.
ولم يكن البيان الوزاري عملانيّاً. كان تنظيريّاً، فائضاً بشعارات، ورغبات، وتمنيات، الكل يعرفها، ويتحمّس إلى وضعها موضع التنفيذ، لكن مع كثير من التحفّظ ـ وربما عدم اليقين ـ لأن الكل يعرف مدى ضعف الإمكانات المتوفرة، والفرص الضيقة التي يمكن أن تفتح أبواباً على مستقبل واعد.
وهناك، خلف الأبواب، كلام حول الحكومة، وخشية بأن لا تكون على مستوى المرحلة، مع الإحترام الشديد لأعضائها، ومنهم من له رصيد في بعض الدوائر الدبلوماسيّة الدوليّة، كغسان سلامة. كانت تتمنى بعض العواصم الأوروبيّة أن يؤتى “بأمراء الطوائف”، بأولئك الذين أحاطوا بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قصر الصنوبر، مطلع أيلول 2020، إلى الحكومة ليشكّلوا هيئة حوار وطني، وسلطة تنفيذيّة دستوريّة قادرة على إقناع جماعاتها التقيّد بما يتوافقون حوله، لوضعه موضع ال
تنفيذ الفعلي.
إن لبنان الذي نؤمن به، وطناً، سيّداً، حرّاً، مستقلاً، ليس كذلك، وفق الإملاءات الخارجيّة الضاغطة، وفي طليعتها الإملاءات الأميركيّة، والعربدة الإسرائيليّة العدوانيّة.
يدورفي الكواليس الدبلوماسيّة حديث عن إحتلالين مقنّعين، الأول: أمني ـ سياسي تمارسه الولايات المتحدة. والثاني: مالي ـ اقتصادي ـ استثماري يمارسه صندوق النقد الدولي الذي سيزور لبنان قريباً ليفرض أجندته، ويقول للحكومة ما يريد، وما لا يريد، وما هو المقبول من منظاره، وما هو المرفوض.
والمؤسف، أن الكولسات الدبلوماسيّة لم تُعِرْ زيارة الرئيس نواف سلام إلى الجنوب بقدر كبير من الإهتمام. قالت عنها بأنها إعلاميّة ـ إستعراضيّة ـ شعبويّة، ولم تكن زيارة رجل دولة، يحمل إلى أهله باقة من المشاريع الجاهزة للتنفيذ، بل حمل وعوداً وتمنيات قد تتاح لها الفرص لوضعها موضع التنفيذ، وقد لا تتاح.
ويُحكى في الكواليس، بأن الزيارة كانت مطلوبة، أو مرحّب بها من قبل الإدارة الأميركيّة، بهدف توظيفها في خدمة مخطّطها الهادف إلى رسم ملامح اليوم التالي في الجنوب، والإنطلاق منه لترسيم ملامح اليوم التالي للبنان.
وما يجري في الجنوب، وحوله، يحمل ملامح فدراليّة أمنيّة تحت العلم اللبناني، ومن حوله، وتحت رايته، أعلام أميركيّة، وفرنسيّة، وألمانيّة، وبريطانيّة، وأمميّة (اليونيفيل). ما يجري يحاكي تحولات كبرى، بإشراف أميركي، وتنفيذ إسرائيلي، ومهلة مفتوحة.
لا أحد يتحدّث اليوم عن تاريخ محدّد لوضع إتفاق وقف إطلاق النار موضع التنفيذ الفعلي، وما يثار حوله من الجانب اللبناني هو التنصل من مسؤوليّة التوقيع. أي بعبارة أخرى هناك إتفاق لكن غير موقّع. وإذا كان غير موقّع، كيف يحمل صفة إتفاق؟ وإتفاق حول ماذا؟!
ويفسّر الوسط الدبلوماسي الغربي، بأن “موضة عدم التوقيع التي درجت في الآونة الأخيرة”، الهدف منها التنصل من الإلتزامات التي قدّمت شفهيّاً للأميركيّة مورغان أورتاغوس عندما زارت بيروت، وتحدثت عن ما تريده إدارة الرئيس دونالد ترامب في الجنوب. وهذا الجنوب الذي تريده، يرسّخ معالمه اليوم الجنرال الأميركي الذي يرأس اللجنة الأمنيّة المشرفة على تنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار، وبمواصفات تتطابق مع الإستراتجيّة المعدّة للشرق الأوسط الجديد.
وآخر الكلام المتداول:
• أن رئيس الحكومة الذي زار الجنوب، كان يفترض به أن يخرج بموقف عن أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء، بعيد نيل الحكومة الثقة، ويتحدّث عن ورشة الإعمار، أو عن قرار تنفيذي يهمّ الجنوبييّن. لكنه لم يفعل، بل حصر إهتمامه بمقرّ إنعقاد جلسات مجلس الوزراء، وكأن المقر، هو الأولوية المطلقة، والتي لا تتقدّم عليها أي أولويّة أخرى!
• إن رئيس الجمهوريّة يتحدث عن 95 مليون دولار قدمتها الإدارة الأميركيّة لدعم الجيش اللبناني بهدف تمكينه من تنفيذ المهام الموكولة إليه في الجنوب. وقد شكر الرئيس نظيره الأميركي الذي استثنى لبنان من القرار الذي إتخذه بحجب المساعدات عن دول وكيانات كثيرة حول العالم. لكن هل تكفي الـ95 مليون دولار لتمكين الجيش اللبناني، وهذا المبلغ يساوي ثلث ثمن قذيفة الـ2000 رطل التي يتزوّد بها العدو الإسرائيلي، وبأعداد كبيرة، من إدارة الرئيس ترامب؟!
إن حدود الـ95 مليون دولار، هي حدود الدور المطلوب من الجيش في هذه المرحلة، وفق الهندسة الأميركيّة المرسومة لمستقبل الجنوب أمنيّاً، وإقتصاديّاً، وإداريّاً، وسياسيّاً.
وليس من دور تلعبه الحكومة، سوى ذلك الذي ترسمه الإدارة الأميركيّة. وأن قبول هبة الـ95 مليون دولار، يعني القبول بالهندسة الأميركيّة المرسومة لمستقبل الجنوب… ولبنان…
إن الوطن الناهض من خيبات الفراغ، مغلوب على أمره بهيمنتين: هيمنة سياسية ـ أمنيّة أميركيّة، وهيمنة إصلاحيّة – إقتصادية من صندوق النقد الدولي. ووظيفة حكومة نواف سلام أن تتعايش مع الهيمنتين ضمن فن الممكن والمتاح، فيما الممكن والمتاح مفتوح على فدراليات طوائف، وإتنيات، وثقافات… وليس ما يجري في الداخل السوري، سوى جرس إنذار!














