بين الفلك والرؤية: إختلافٌ أم اجتهاد؟

/ حسن فقيه /

كلّما اقترب موعد الإعلان عن بداية شهر رمضان ونهايته، تضاربت الآراء حول أحقية استخدام علم الفلك وتقديمه على الرؤية الشرعية المعتمدة حول رؤية الهلال، حتى وصل التضارب بالآراء حدود التجريح والاهانات وحفلة من الشتائم بحق هذا المرجع أو ذاك، وعند المذهبين، السنة والشيعة، علماً أن الموضوع الأبرز المتمحور حول إعلان البداية والنهاية من عدمها هو اعتماد وحدة أو تعددية الافق.

يبدو الموضوع أكثر بساطة عند السنة، حتى وان اختلفت بعض الدول، لكن على الاقل يصوم جميع المواطنين ويفطرون سوياً، على عكس ما هو سائد عند الشيعة التي يصل الاختلاف بينهم ليس فقط إلى حدود البلد، وإنما داخل المنزل الواحد أيضاً. الا أن الاختلاف لا يفسد في الودّ قضية، وإنما الجهل المتمرس في عقول البعض الذين يقولون ما لا يفقهون من دون قراءة أو اطلاع على الموضوع حتى.

في البداية، علم الفلك يدرس الظواهر الفلكية والأجرام السماوية، وبالتالي يستطيع تحديد بداية الأشهر الهجرية التي تعتمد على ولادة الهلال.

هذا الموضوع لم يكن شائعاً كثيراً في السابق، إلا ان العديد من البلدان تعتمد اليوم هذا المبدأ، وكذلك يعرف في لبنان اعتماد المرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله للفلك، مخالفاً الغالبية العظمى من المراجع الشيعية التي لا تعتبر الفلك مصدراً أساساً وموثوقاً لتحديد بداية الشهر من عدمه.

ولكن هل الاختلاف الأساس هو فقط بين الفلك والرؤية؟ قطعاً لا.

إذا كانت المشكلة فقط بين الرؤية والفلك، فلماذا بعض من الذين يعتمدون الرؤية لا يصومون ويفطرون سوياً دائماً؟ هنا الطرح يحتمل وجهين: الأول هو كيفية الرؤية، فالبعض يقول بالرؤية عبر “العين المسلحة”، كالمرجع الايراني علي خامنئي. والبعض يؤيد الرؤية بـ”العين المجردة” فقط، كالمرجع العراقي علي السيستاني.

هذه واحدة من الأمور الأساسية التي تؤثر في تحديد بداية الشهر وخاتمته، يضاف إليها أمر غاية في الأهمية لا يتطرق اليه البعض عادة، وهو اعتماد بعض المراجع لـ”وحدة الافق” وآخرين لـ”تعدد الأفق”. أي أن البعض يقول إنه إذا ولد القمر في بلد يشترك معه البلد الأساس بجزء من الليل، نستطيع تحديد البداية والنهاية، وهذا راي معتمد عند المرجعيين الراحلين فضل الله والخوئي. ورأي يقول بتعدد الأفق، أي بعدم جواز اعتماد الافق الاميركي، مثلاً، في لبنان، وهو رأي الغالبية وعلى رأسهم المرجع السيستاني. وبالتالي فان هذين الأمرين أيضاً يتداخلان في الموضوع.

كذلك الاختلاف في تفسير كلام النبي محمد (ص) والآيات القرآنية حول الموضوع. كقول الله تعالى ” فمن شهد منكم الشهر فليصمه”، وقول النبي محمد (ص) “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”؛ وهنا اختلف المراجع حول تفسير الرؤية بالعين أو العلم بولادة الهلال علمياً.

اذن، لم يكن الاختلاف يوماً بين الفلك والرؤية وحده من يؤثر في تحديد بداية الشهر ونهايته، بل هناك أمور أكثر بكثير يجهلها عامة الناس، على أمل أن لا يتكلم البعض في أمر يجهل عديد جوانبه كي لا يؤثر على آخرين يقرأون من دون بحث وتدقيق.