| غاصب المختار |
لا شك أن ما جرى في سوريا، عامل مهم في التأثير على كل مجريات الأوضاع اللبنانية، لا سيما لجهة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وانتخاب رئيس للجمهورية. ذلك أن ما جرى من تطورات دراماتيكية، يؤشّر إلى خلط أوراق، وانقلابات في المعادلات لن يكون لبنان بعيداً عن، بل سيكون أكثر الدول تأثراً بها.
في التأثير الأول، جاءت دعوة مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس إلى “عدم التسرع في انتخاب رئيس للجمهورية”، بمثابة مؤشر مسبق لتطورات وتغييرات أساسية ستحصل في المنطقة، تتطلب اختيار رئيس للبنان يواكب هذا التطورات ويسير بتوجهاتها، بل وينفذ متطلباتها السياسية والأمنية والاقتصادية، في ظل الجو العربي العام الذي يسير أيضا في هذه التوجهات الجديدة لترتيب اأوضاع منطقة الشرق الأوسط بما يلائم السياسات الأميركية بشكل خاص. وثمة من يعتقد أنّ كلام مسعد بولس لم يأتِ من عبث، بل جاء بناء لمعطيات ثابتة وسياسات مرسومة.
وعلى هذا، يبدو أن انتخاب رئيس للجمهورية، إذا حصل في كانون الثاني المقبل، سيراعي كل هذه المتغيرات، وإذا لم يحصل الانتخاب فهذا يعني أن ظروف وضع لبنان على خريطة الإدارة الأميركية السياسية الجديدة لم تنضج بعد، وربما لن تنضج ما لم يتم وأد مزيد من النار تحت الصفيح اللبناني.
في التأثير الثاني، كان ترك الكيان الاسرائيلي “على راحته” في خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وقصف المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، ونسف المنازل في قرى الجنوب الحدودية، إضافة إلى المماطلة في انطلاق عمل لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار نحو أسبوعين، بمثابة مؤشر على أن الآتي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما جرى التخطيط له لترتيب وضع الحدود الجنوبية بما يلائم مصالح “إسرائيل”، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، لجهة إضعاف المقاومة، إن لم يكن محاولة القضاء على أي إحتمال لإستعادة قواها.
وفي الصورة الجلية التي ارتسمت تفاصيلها خلال الأسبوع الماضي، فإن ما حصل في سوريا هو بداية الانقلاب الأميركي المدعوم من قوى إقليمية على كل الوضع القائم منذ سنوات في الشرق الأوسط، والذي لم يناسب الإدارة الاميركية الراحلة ولا يناسب إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة، وطبعاً لا يناسب الدولة الأميركية العميقة، فكان لا بد من قلب الصفحة عبر إعادة نشر الفوضى في المنطقة ليسهل وضع اليد عليها وفرض الحلول، في ظل إنكفاء روسيا وإيران المنشغلتين بأوضاعهما الداخلية، وغيرهما من دول كانت ترفض السياسات الأميركية والغربية.
ويُخشى أن يكون ما يُرتقب للبنان، الضعيف والمتهالك والمنقسم على ذاته أصلاً، جزء من إدخاله في هذه الفوضى المدمرة، بحيث يُعاد بناء الدولة ومؤسساتها على أنقاض ما تهدّم، وبهندسة اميركية ـ إسرائيلية، قد تؤدي مستقبلاً الى عدم استقرار نتيجة الانقسامات واختلاف التوجهات الداخلية.