| رندلى جبور |
في ذروة الحرب، حيث تكون كل أسباب الغضب والحزن متوافرة بكثرة، أستحي أن أغضب أو أن أحزن.
أستحي أن أغضب وسقف بيتي فوق رأسي فيما منازل أصدقائي مهدّمة، أما بيوتهم ـ بمعنى الانتماء ـ فساكنة فيهم، ويقولون عند كل انهيار لحجر: إننا لم نقدّم شيئاً مقارنة مع تعب المجاهدين.
أستحي أن أغضب وأنا لم أضطر لمغادرة منطقتي السكنية، وأرى أكثر من مليون مهجر ومعظمهم يقولون: سنعود بإذن الله، وهم يرسمون ابتسامة مع الدمعة.
أستحي أن أغضب وأنا لا أرابط على الجبهة، فيما تقدّم عائلات كثيرة الشهيدات والشهداء وتحمد الله معتبرة أنها تخوض الفداء.
أستحي أن أغضب والبيئة اللصيقة بالمقاومة صامدة وصابرة وشاكرة.
أستحي أن أغضب وهناك رفاق لي يجلسون على حافة الخطر المباشر، ويرسلون رسائل الصلابة والصمود والقدرة على المواجهة والوعد بالنصر.
أما ما يمكن أن يغضبني وأتعالى عن غضبي رغم كل شيء، فهم أولئك الذين يمارسون حياة شبه طبيعية ولا يتعاطفون مع من يدفعون الأثمان المباشرة.
ويغضبني أن أسمع أصوات النشاز التي تحمّل المقاومة المسؤولية تحت القصف ولا تذكر “إسرائيل” العدوانية.
ويغضبني من يتحدثون في السياسة الضيقة في هذه الحشرة، ولا يلتفون إلى الماكروسياسة وكل التحوّلات.
ويغضبني من يشمتون ومن ينعون باكراً جداً مكوناً أساسياً من لبنان، بدلاً من التبشير بالصمود الذي يقود الى الانتصار.
ويغضبني من بدأوا بالتأسيس للاستثمار السياسي في المرحلة المقبلة، قبل أن يعرفوا إلى أين تتجه البوصلة.
ويغضبني من يمجّدون القوة الاسرائيلية ولا يلتفتون الى البطولات التي يصنعها المقاومون، وإلى الصبر الأسطوري الذي يميّز أهلهم وقياداتهم.
ويغضبني من يلقون التّهم جذافاً، وينصّبون أنفسهم قضاة على الداخل المقاوم وعلى الخارج الداعم على طريقته، ويصدرون الأحكام غير العادلة وغير المنطقية.
ويغضبني من يتحدث بلغة عصبية ومذهبية وطائفية، بينما المعركة وطنية وإنسانية وقيمية.
ولكن لن أنجرّ خلف هؤلاء، ولن أجعلهم يستثيرون غضبي، فما يثيرني اليوم هو أهل العزم والإرادة والإيمان الذي يمكن أن يزيح الجبال. وما أتوقف عنده فقط هو الصلابة في الميدان والدمعة الصادقة خلف الجدران، والاستعداد لدفع الأثمان، واليقين بأن ما نحمله اليوم من أعباء سيضاف إلى التراكمات التي ستعيد انتظام هذا العالم انطلاقاً من فلسطين ومن لبنان.