| غاصب المختار |
لم يكن مفاجئاً إقدام “مجموعة العمل الدولي”، في ختام اجتماعاتها الدورية في باريس، الجمعة، على إدراج لبنان ضمن اللائحة الرمادية، بحجّة أنه من “الدول غير المتعاونة كفاية في مكافحة تبييض الأموال، وعدم اقرار التشريعات والإصلاحات المالية المطلوبة”، بعد تحذيرات كثيرة سابقاً توقفت بفعل الحرب الاسرائيلية على لبنان. لكن شبهة إحياء القرار، كانت في التوقيت المتزامن مع الضغوط السياسية والعسكرية الكبيرة على لبنان في “زمن المفاوضات تحت النار”، لإخضاعه للشروط الاسرائيلية والاميركية.
وفي اعتقاد أوساط مصرفية لبنانية، فإن وضع لبنان على اللائحة الرمادية، يعني عملياً تشديد الرقابة الخارجية على النظام المالي، وزيادة صعوبة وتعقيدات التعاملات المالية والمصرفية مع الخارج. ما يعني العودة إلى الحرب الاقتصادية التي فرضت سابقاً على لبنان، ووضعته تحت الحصار الأميركي عبر عقوبات “قانون قيصر”، بحيث تعذّر استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا.
لكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد صدور القرار عن مجموعة “فاتف” المالية، طمأن إلى أن “لبنان أحرز تقدماً في العديد من الإجراءات الموصى بها في تقرير التقييم المتبادل، وطبّق تدابير على قطاعه المالي، عبر إصدار التعاميم المطلوبة للبنوك والمؤسسات المالية، الأمر الذي يعني أن علاقات لبنان مع المصارف المراسلة لن تتأثر نتيجة هذا التصنيف”.
مع ذلك، فإن مجرد صدور القرار في هذا التوقيت السياسي، وفي ظل ضغط الحرب التدميرية على لبنان، لا معنى له سوى فتح جبهة أخرى ضد لبنان عبر إمساكه “باليد التي توجعه”، أي تشديد الضغط الاقتصادي الذي يخيف اللبنانيين، رسميين وقطاعاً مالياً واقتصادياً وتجارياً.
هذه العودة إلى الحرب الاقتصادية تأتي بعد فشل الحرب العسكرية المتزامنة مع الحرب السياسية على لبنان، وإقرار العدو الاسرائيلي بفشل هجومه البري وفشل تحقيق اقامة منطقة عازلة طويلة وعريضة في جبهة الجنوب، على الرغم من تقدمه مئات الأمتار في بعض قرى الحد الأمامي في الجنوب، وتفجير الكثير من المنازل والمنشآت لكشف ما ورائها من تحركات للمقاومة.
ويبدو أن خسائر العدو في الجنود والآليات خلال الأيام القليلة الماضية، والكلام الإسرائيلي عن “أيام سوداء في الشمال”، وتلاها كلام رئيس أركان جيش الاحتلال هاليفي عن قرب انتهاء العملية البرية، وكلام أميركي يوحي بحصول مقاربات سياسية ودبلوماسية جديدة لوقف الحرب في غزة وتالياً في لبنان، سرّع في اللجوء إلى الحرب الاقتصادية ـ المالية مجدداً، بعدما تلقى الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الموقف اللبناني الرافض لأي بحث سياسي تحت النار، بصمت وتوجّس، ترجمه الميدان تصعيداً كبيراً في عمليات المقاومة واستهدافاتها الفعالة والمؤثرة، سواء في المواجهة البرية أو في قصف عمق الكيان الإسرائيلي، بحيث فاق عدد عمليات المقاومة يوم الجمعة 48 عملية، وهو أمر خالف كل تقديرات وتوقعات وادعاءات كيان العدو بانه أضعف قدرة الردع عند المقاومة، فاستفاق أركان العدو السياسيين والعسكريين من أوهامهم، وواجهوا الحقيقة الصعبة بأن قدرات المقاومة ما زالت بخير وأكثر فعالية.
على هذا، يُفترض أن يعود هوكشتاين إلى بيروت خلال فترة قريبة، وتردد أنه قد يعود الأحد إلى تل أبيب ومنها قد يزور بيروت، وفي ضوء ما سيحمله يتقرر مسار الأيام أو الأسابيع المقبلة: هل يتوقف الهجوم البري والقصف الجوي، أم يستمر رئيس حكومة العدو في مكابرته ويتلقى مزيداً من الضربات؟