“صندوق النقد” وصفة للإنقاذ.. أم لاستكمال الإفلاس؟

/محمد حمية/

يُقدّم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وفريقه المالي، ومعهم حاكم مصرف لبنان، وجمعية المصارف، وقوى سياسية عدة، صندوق النقد الدولي على أنه “الوصفة” السحرية لحل مشكلات لبنان وسفينة النجاة لإنقاذه من الغرق المحتوم في بحر الأزمات المتنوعة المالية والاقتصادية والنقدية، ويراهنون على أن ينتهي “ماراتون” التفاوض مع صندوق النقد إلى اتفاق على العناوين الأساسية في خطة التعافي المالي، على أن يفتح الباب للانتقال الى المرحلة التنفيذية، أي التزام الحكومة الإصلاحات المطلوبة، مقابل تأمين الصندوق الأموال اللازمة لتمويل المشاريع الاستثمارية في قطاعات عدة والبالغة بحسب مصادر الصندوق حوالي 5 مليار دولار.

ويواظب فريق رئيس الحكومة بشكل دائم على تعميم الأجواء الإيجابية عن جولات المفاوضات التي تجري في القصر الحكومي وفي عدة وزارات، مع بعثة صندوق النقد الموجودة في لبنان منذ عشرة أيام، ويسوّق لقرب توقيع اتفاق مبدئي مع “البعثة” على خطة التعافي، على أن يُستكمل التنفيذ بعد الانتخابات النيابية.

هذه الصورة الظاهرة… أما الصورة المخفية، فهي أن المفاوضات متعثّرة، وكل ما يحكي عن تقدم هو إشاعة مقصودة لخلق مناخ التفاؤل، لتمرير الانتخابات، وتأخير الانفجار الاجتماعي بعد وصول الدولة إلى مرحلة الإفلاس المالي، باعتراف نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي منذ أيام، وإن عاد وأوضح تصريحه بالتمييز بين السيولة والملاءة. لكن الإفلاس قد وقع، في مصرف لبنان والمصارف، وكذلك الدولة، كما يؤكد أكثر من مرجع مالي سابق… أما الودائع فلم يتبقَ منها سوى 20 في المئة، هي عبارة عما تبقى من احتياط بالعملات الصعبة في المصرف المركزي البالغ نحو 11.5 مليار دولار.

المعلومات المتوافرة عن اجتماعات السراي، تشير إلى أن الحكومة وبعثة الصندوق، لم يتوصلا حتى الساعة إلى رؤية مشتركة لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، وأن التباين في الطروحات والخطط سيد الموقف، لذلك ستغادر “البعثة” لبنان، على أن تعود إلى الولايات المتحدة، لتقييم المشاورات ودراسة الأرقام، وتعود إلى بيروت خلال الأسابيع المقبلة.

والسؤال الذي يطرحه الخبراء الماليون والاقتصاديون: عن أي اتفاق يتحدث المعنيون مع صندوق النقد، ولم تُنجز الحكومة والمجلس النيابي حتى اليوم القوانين الإصلاحية التي يطلبها الصندوق؟ علماً أن ميقاتي يسعى، بحسب المطلعين، لتوقيع اتفاق إطار “شكلي” مع الصندوق، للإيحاء بأن المفاوضات أثمرت وستثمر في المستقبل، لاحتواء الضغوط الخارجية على المسؤولين من جهة، وربط أي اتفاق تنفيذي بعد الانتخابات بعودته إلى رئاسة الحكومة من جهة ثانية.

– مشروع قانون الموازنة، الذي “سلقته” الحكومة على عجل، ورمته إلى المجلس النيابي من دون حسم بنوده الأساسية، كسعر صرف الدولار والدولار الجمركي والإنفاق والإيرادات وغيرها، لايزال عالقاً في أدراج اللجان النيابية المشتركة في ظل تباين بين الكتل النيابية حول الكثير من بنوده، والمرجح أن لا يقر في المجلس قبل الانتخابات النيابية، لتضمنه بنوداً غير شعبية.

– قانون “الكابيتال كونترول”، عالق أيضاً في اللجان النيابية بعدما أحالته الحكومة الى المجلس النيابي، ويتضمن الكثير من الخلل والثغرات، لا سيما مصير الودائع وعائدات الاستيراد والتحويلات الخارجية.

– إعادة هيكلة المصارف لا يزال يصطدم بعقد عدة، ولا يبدو في الأفق أي اتفاق بشأنه، في ظل الخلاف بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف على توزيع الخسائر المالية.

– قانون تعليق السرية المصرفية لتسهيل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، لم يجدد حتى اليوم بعد انتهاء مهلة تعليقه منذ ثلاثة أشهر.

ويقول المطلعون إن هذه القوانين الإصلاحية الأربعة، مقرونة بالاتفاق على توزيع خسائر الفجوة المالية على الجهات الثلاث: الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف التي لم تنجح بإشراك المودعين كقسم رابع في تحمل الخسائر فحسب، بل تحميلهم القسم الأكبر من هذه الخسائر. لذلك وقع الخلاف على توزيع الخسائر، في ظل رفض الصندوق تحميل المودعين القسم الأكبر، مع الإشارة الى أن خطة حكومة الرئيس حسان دياب للتعافي المالي لم تلحظ أي مسؤولية للمودعين. لكن الحكومة الحالية، وإن أقرت مع الصندوق بحجم الخسائر الذي حددته حكومة الرئيس دياب، لكنها أضافت المودعين إلى فريق تحمل الخسائر.

وبناء على هذه المعطيات، فإن الصندوق لن يتشجع ويوقع أي اتفاق تنفيذي، وإن سار بتوقيع اتفاق مبدئي، لكن العبرة بالتنفيذ.
لكن المطلعين يشيرون إلى أن حكومة ميقاتي نفذت الحزمة الأولى من الشروط التي يطلبها صندوق النقد، من دون أي مقابل يقدمه الصندوق من أموال أو مساعدات. فالحكومة حررت سعر صرف الدولار، وبالتالي حجمت الإنفاق الحكومي، لا سيما على القطاع العام، وأوقفت التوظيف فيه، ورفعت الدعم عن المحروقات ومعظم أنواع الأدوية وفاتورة الاستشفاء والسلع والمواد الغذائية، وتستعد لرفع الدولار الجمركي وفواتير الاتصالات والانترنت والكهرباء.. فما الذي سيشجع الصندوق على تقديم مقابل كمساعدات مالية للمشاريع الملحة؟

بمعزل عما إذا كان الصندوق سيوفي بالتزاماته بدفع الخمسة مليارات دولار كحد أقصى أم لا، لكن هذه المبالغ لن تُمنح دفعة واحدة، بحسب ما يقول خبراء في هذا المجال، بل على دفعات وعلى مدة زمنية لا تقل عن 7 سنوات ومقابل فوائد، ووفق آلية تتضمن الدفع المتقطع لتمويل مشاريع بنى تحتية.

فهل يمثل الصندوق وملياراته الخمسة، السبيل لإنقاذ لبنان من أزمته وتحقيق النهوض الاقتصادي؟

المطلعون يجيبون بسؤال: ألم يكن أجدى لو استخدمت مليارات المصرف المركزي منذ العام الماضي بتمويل مشاريع استثمارية، لا سيما في قطاع الكهرباء ببناء 3 معامل كهرباء في ثلاث مناطق يقدر كلفتها الخبراء بـ 3 مليارات دولار، تكون قادرة على حل أزمة الكهرباء وسد عجز مؤسسة كهرباء لبنان الذي يشكل ثُلث العجز في الموازنة، وبالتالي يُنهي الاعتماد على المولدات الخاصة التي ترهق جيوب المواطنين، ويخفف الطلب على المازوت، وبالتالي يقلص فاتورة استيراد المحروقات التي يتكبدها المصرف المركزي؟

لماذا الإصرار وتعليق مصير البلد على مليارات صندوق النقد، طالما أن “المركزي” يستطيع  استخدام جزء من الاحتياط المتبقي لديه (11.5 مليار دولار) لبناء مصانع كهرباء؟.

ولماذا رفضت العروض الروسية والإيرانية والصينية لبناء معامل كهرباء ومصافي نفط ومشاريع نقل عام وبنى تحتية وفق نظام  (BOT) وبالليرة اللبنانية؟ فهل هناك من يريد إبقاء “رقبة” لبنان تحت سيف صندوق النقد، الذي تتحكم بقراره السياسي جهات خارجية تريد فرض شروطها السياسية عبر هذا الصندوق، الذي بات يشكل وصفة لمزيد من الإفلاس والانهيار؟