| يحيى دبوق |
في 25 آب الماضي، استهدف حزب الله قاعدة الاستخبارات الإسرائيلية التابعة للوحدة 8200 في غليلوت في وسط فلسطين المحتلة، ردّاً على اغتيال العدوّ القائد الجهادي فؤاد شكر (السيد محسن). العملية التي أطلق عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اسم «يوم الأربعين»، شهدت أخذاً وردّاً واختلافاً في تحديد نتائجها، مع فرض رقابة إسرائيلية صارمة منذ اليوم الأول، ولا تزال، ما حال دون التحديد الواضح للنتائج، علماً أن رواية إسرائيل شهدت تبدّلاً وتغيّراً منذ بدء تنفيذ العملية وخلالها وبعدها، الأمر الذي يضيف مزيداً من الضبابية على النتائج وقراءة تأثيراتها اللاحقة.تقدير نتائج عملية «يوم الأربعين» غير مطلوب لذاته وحسب، بل هو جزء من مقدمات قد تكون ضرورية ومفيدة في إيضاح الموقف الإسرائيلي الحالي الذي بات يغلب عليه التهديد المتطرف جداً، بما يشمل «إعلان نيات» وكشف خطط ومشاريع عمل وتوجهات، مع التركيز على التهديد بإعادة فرض حزام أمني جديد في جنوب لبنان شبيه بما كان عليه الواقع قبل عام 2000، وهو ما ورد على لسان قائد الجبهة الشمالية في جيش العدوّ أوري غوردين، في لقائه أول من أمس مع مسؤولي المستوطنات الشمالية التي تهجّرت نتيجة المواجهة مع حزب الله، فيما كان وزير الأمن يوآف غالانت يبلغ نظيره الأميركي لويد أوستن أنّ «إمكانية التوصل إلى تسوية في الشمال على حدود لبنان تتلاشى، والاتجاه واضح»، في إشارة إلى حرب موسعة في الساحة اللبنانية.
لكن كيف لـ«عملية الأربعين» أن تكشف – أو أن تساهم في حد أدنى في كشف – الموقف الإسرائيلي الحالي المشبع بالتهديدات؟
ردّ حزب الله على اغتيال الشهيد شكر كان مركّباً وفي أكثر من اتجاه، إلا أنّ أهم ما فيه، بما يرتبط بموضوع البحث، أنه شكّل فرصة، في حينه، لطاولة القرار في تل أبيب لتنفّذ ما هدّدت به طوال الأشهر الماضية، لو كان لديها النية الفعلية لذلك. غير أنها عملت على احتواء الردّ ومحاولة التقليل من حجمه وتأثيره وأضراره، بروايات غلب عليها التناقض منذ الدقيقة الأولى. وكان واضحاً أن الجهد الإسرائيلي انصبّ في حينه على ملازمة القول والعمل بما يتوافق مع المصلحة الإسرائيلية في المنع والامتناع عن الحرب الشاملة مع حزب الله، أو ما من شأنه الدفع إليها.
بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على الردّ وردّ الفعل الإسرائيلي على الردّ، لم يتغيّر شيء في مقدّمات وضرورات واستعدادات الجيش الإسرائيلي تجاه الساحة اللبنانية، واستمرت الغلبة للموقف الدفاعي وردات الفعل بلا مبادرات عملانية، وهو ما يساهم كثيراً في فهم حقيقة التهديدات الأخيرة، والأهداف التي يسعى العدوّ إليها من وراء هذه التهديدات.
لكن، ماذا لو كان مقرّ الاستخبارات الإسرائيلية، وتحديداً الوحدة 8200، قد أصيب فعلاً في ردّ «يوم الأربعين» كما يؤكد ما جرى تداوله أخيراً ونُسب إلى مصادر أمنية أوروبية؟ وماذا إن أدّت الإصابة إلى سقوط إصابات بين قتيل وجريح؟ سيعني ذلك الكثير، من دون أن يقتصر على تفسير الموقف الإسرائيلي في حينه، بل يمتد التفسير وصولاً إلى التهديدات الأخيرة التي تضمّنت التلويح، من جديد، بالاجتياح والحزام الأمني، فضلاً بطبيعة الحال عن أسباب أخرى كاشفة للنيات الإسرائيلية.
وإذا كانت تأكيدات «المصادر الأمنية الأوروبية» غير كافية للبعض لتأكيد نتائج ضربة مركز الوحدة 8200، إلا أن نفي إسرائيل، في المقابل، من دون قرائن ودلائل مباشرة على النفي لا يعني أن الوحدة لم تصب، فضلاً عن الخسائر التي لحقت بها. ما يعني أن كلتا الروايتين، في حد أدنى، غير كافيتين للنفي أو للإقرار بما حصل.
لكن ما الذي يدفع إسرائيل إلى «إخفاء» نتائج عملية «يوم الأربعين»؟
الحرب على قطاع غزة من أكثر الحروب التي تتحكم الرقابة العسكرية بكثير من تفاصيلها، حتى الصغيرة منها، وفي ما يتعلق بالشكل والمضمون، وتحديداً على الجبهة اللبنانية. أهم الأسباب لذلك هو أن الاعتراف بالخسائر، كما هي على هذه الجبهة، سيؤدي بإسرائيل إلى وضع نفسها أمام خيارين: إما الاضطرار إلى مباشرة حرب واسعة لا تريدها ولا تتناسب مع قدراتها وظروف حربها في قطاع غزة؛ وإما أن تمتنع مع إقرار بالخسائر كما هي، ما يعني تراجعاً إضافياً في الردع الإسرائيلي و«تشجيعاً» لحزب الله والآخرين على رفع منسوب وحجم قتالهم الإسنادي لغزة. وكلا الخيارين مرفوضان، ما يؤدي إلى تفعيل الرقابة لمنع تظهير الخسائر والاضطرار القسري للاختيار بين ما لا يتوافق مع المصلحة الأمنية لإسرائيل.
في كل الأحوال، المعادلة التي أراد حزب الله أن يؤكدها وصلت إلى حيث يجب أن تصل، وباتت حقيقة قائمة على طاولة القرار في تل أبيب، وفي أساسها أن الردّ ليس مقتصراً على شمال فلسطين المحتلة مع ما فيه من أهداف حيوية واستراتيجية، بل كان الإصرار والتصميم على تضمين الردّ، بشكل رئيسي، استهداف منطقة تل أبيب. وإذا كان الردّ قد نفّذ قبل ثلاثة أسابيع، إلا أنه يصلح الآن، مع التهديدات الإسرائيلية «المنفلشة»، لقراءة الموقف الإسرائيلي وحقيقة توثّبه لاجتياح لبنان كما يجري الادعاء في تل أبيب.