| فؤاد بزي |
يشبه حال معامل إنتاج الكهرباء بالطاقة المائية، أو ما يعرف بالمعامل الكهرومائية، حال الدولة اللبنانية. متروكة بلا صيانة واستثمار، فلم تعد تعمل إلا بتمويل من المنح والقروض الدولية. هي وحدها، تبقى منتجة للتيار الكهربائي عند جفاف مخازن مؤسسة كهرباء لبنان من الفيول. تعمل بواسطة ضغط المياه لتوليد الكهرباء بكلفة تبلغ 2 سنت للكيلواط الواحد ويستخدم إنتاجها حالياً لإنقاذ خطوط الخدمات العامة وإبقاء المرافق الأساسية في لبنان مضاءة.
تاريخياً، بدأ بناء المعامل الكهرومائية في لبنان في العشرينيات. عمر بعضها ناهز 100 سنة مثل معمل وادي العرائش في زحلة. بلغ عددها في أواخر الستينيات نحو 16 معملاً بقدرة إنتاجية تصل إلى 285 ميغاواط. معامل الليطاني وحدها غطّت 50% من الحاجات الاستهلاكية في مطلع الثمانينيات. إلا أنه مذاك لم يُنشأ إلا معمل القناة 800 التابع لمصلحة مياه الليطاني الذي وُضع في الخدمة في عام 2020، بينما أُهملت المعامل القائمة ليتوقف عدد منها أو يصبح بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل.
وهذا النوع من المعامل ينتج التيار الكهربائي بثمن أرخص بنحو 4 مرات مقارنة مع المعامل الحرارية، إذ «تصل كلفة إنتاج الكيلوواط/ ساعة من المعامل المائية إلى 2 سنت مقابل 9 سنتات (على باب المصنع) في أكثر المعامل الحرارية فعالية في لبنان مثل دير عمار، أو الزهراني، ويزيد عن 20 سنتاً في المعامل القديمة مثل صور وبعلبك» تقول مصادر مؤسسة الكهرباء.
ورغم الفعالية والوفر المادي اللذين تحققهما، أدّى تراجع الاستثمار في المعامل الكهرومائية، إلى خروج تام من الخدمة لعدد منها مثل زحلة وحراش والبارد 2. وتهالكت منشآت هذه المعامل، ما انعكس انخفاضاً في قدراتها الإنتاجية إلى نحو النصف، أي 150 ميغاواط/ ساعة. رغم ذلك، فإنه في ظلّ انخفاض إنتاج المعامل الحرارية إلى 600 ميغاواط، تمثّل كمية الكهرباء المنتجة من المعامل الكهرومائية نحو 25% من الطاقة الموجودة على الشبكة.
يوضع إنتاج المعامل الكهرومائية على الشبكة العامة للكهرباء «وتتولى مؤسّسة كهرباء لبنان إدارة التغذية» بحسب المدير العام لمصلحة مياه الليطاني سامي علوية. هذه المصلحة تدير 4 معامل كهرومائية، هي: جون، الأوّلي، عبد العال، والقناة 800. أي إن هذه المعامل لديها زبون واحد هو مؤسسة كهرباء لبنان التي «تدفع 2.5 سنت ثمن كل كيلوواط، ومن المتوقع رفع الثمن إلى 3 سنتات لكل كيلوواط عام 2025»، يقول علوية.
وبسبب وجود هذه المعامل ضمن الأراضي الخاصة لعدد من البلدات، يضيف علوية، «تستفيد 212 بلدة من الكهرباء المنتجة عبر المعامل الكهرومائية، والفائض يوزع على خطوط التوتر العالي». ويشير إلى «وجود خطوط توتر أساسية تغذى عبر معامل المصلحة، مثل خطَي الجمهور وبيت الدين».
ويتوقع أن يتغير حال المعامل المائية، إذ يلفت علوية إلى «وجود خطة جدّية يقودها البنك الدولي لتطوير الطاقة النظيفة في لبنان، المنتجة عبر الماء ومزارع الطاقة الشمسية».
وفي السياق، تعدّ الحكومة مشروع قانون للموافقة على قرض بقيمة 250 مليون دولار، 30 مليوناً منها مخصّصة لإقامة مجموعات توليد كهرباء جديدة، أو صيانة الموجودة حالياً. بالفعل، «تم التوافق والتفاوض تقنياً ومالياً بين وزارة المالية ووزارة الطاقة، وبين البنك الدولي، على تفاصيل القرض»، وفقاً لعلوية.
ويضيف، «من جهة مصلحة الليطاني، لن نغيّر التوربينات، بل سنقوم بصيانة أجهزة التحكم، ما يساعد على إطالة أمد خدمة المعامل القادرة على العيش من 60 سنة، إلى 100 سنة».
من جهتها، أطلقت وزارة الطاقة الأسبوع الماضي مناقصة عمومية، عبر هيئة الشراء العام، لـ«إنشاء وتأهيل معمل توليد الكهرباء بالطاقة الكهرومائية في حراش ــ جعيتا». وتبلغ كلفة المشروع التقديرية 3.7 ملايين دولار، بحسب دعوة المناقصة. وسيمول من موازنة وزارة الطاقة، وهو أحد النفقات الاستثمارية القليلة في السنوات الخمسة الماضية. وهنا توقعت مصادر «الأخبار» أن لا يتقدم أحد إلى هذه المناقصة، «لأنهّا مع الدولة، وستدفع بالليرة»، فضلاً عن أنّ مدة صلاحية العرض هي 120 يوماً، ونحن الآن في شهر أيلول، ما يعني إمكانية الدخول في عام جديد وموازنة جديدة قبل التلزيم».
أما في حال انتهى العمل من المشروع، فستحوّل الكهرباء التي تنتجها هذه المحطة، وقدرها 1.2 ميغاواط، إلى مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، لتستخدم في تشغيل مضخات المياه، فضلاً عن محطة تكرير المياه في ضبية. ما يخفف نحو مليوني دولار من الكلفة التشغيلية لمؤسسة المياه.
معامل الليطاني الأكثر إنتاجاً
من أصل 17 معملاً كهرومائياً منشأ في لبنان، فإن 3 منها خارج الخدمة تماماً، و8 تحتاج إلى إعادة تأهيل، و4 أجريت عليها أعمال الصيانة اللازمة في السنوات العشر الأخيرة. يتبع عدد من المعامل لمصالح المياه، وعدد آخر لامتيازات ومؤسّسات متعدّدة تسمح لها بتشغيل منشآت لتوليد الكهرباء علماً أن معمل الصفا ــ رشميا وحده الذي يتبع لمؤسّسة كهرباء لبنان. المعامل الأربعة التي تتبع لمصلحة مياه الليطاني، (الأولي، جون، عبد العال، والقناة 800) هي الأكبر على المستوى الإنتاجي، وتصل قدرتها مجتمعةً إلى 197 ميغاواط، وتشكل 68.4% من الإنتاج الكهربائي عبر الطاقة المائية.
أما المعامل الـ13 المتبقية، البارد 1و2، والصفا، ونهر إبراهيم 1 و2 و3، وعين الجوز، وحراش ــ جعيتا، وزحلة، ومعامل قاديشا الأربعة بلوزا وأبو علي ومارليشا وبشري، فإن قدرتها الإنتاجية تبلغ 92 ميغاواط، ما يجعل من القدرة الكهربائية الكليّة المولّدة عبر هذه المعامل هو 289 ميغاواط، لو عملت هذه المعامل بكامل طاقتها.
توليد الكهرباء بواسطة المياه والجاذبية
لا تستخدم المعامل الكهرومائية الوقود الأحفوري (أصناف النفط من فيول وديزل وغيرهما)، في توليد الكهرباء، بل تعتمد على المياه والجاذبية لتحريك التوربينات المرتبطة بمولدات الطاقة. بهذا المعنى، تتواجد هذه المعامل على مجاري المياه في الأودية، أو تحت السدود. ولإدارة التوربينات، يجري توجيه المياه في قنوات من الأعلى إلى الأسفل، فتكتسب المياه عند نزولها طاقة وسرعة، وبسبب توجيهها في أنابيب ضخمة، تحرّك المياه لدى وصولها إلى أسفل الوادي أو السد عنفات التوربين.
وبدوره، يحرك التوربين عند دورانه مولد الكهرباء لإنتاج الطاقة. وكلّما زادت كمية المياه ارتفعت الطاقة المنتجة، وكلّما زاد ارتفاع المياه زادت الطاقة أيضاً. لذا، يحتمل أن يختلف معدل إنتاج الطاقة وفقاً لفصول السنة، إذ ترتفع الطاقة الكهربائية المنتجة شتاءً وربيعاً مع ارتفاع منسوب المياه، فيما تنخفض مع نهاية الصيف بسبب انخفاض منسوب الماء.