| جورج علم |
لا يمكن إقفال ملف غزّة ما لم تستحوذ إيران على ما تريده في الشرق الأوسط، وإنطلاقاً من البحر المتوسّط حتى الخليج. وبكلام أكثر دقّة، تريد معرفة الثمن الذي يمكن أن تدفعه الولايات المتحدة.
ألقى المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة علي خامنئي صنّارته في البحر الأميركي، قال: “لا يوجد عائق أمام التعامل مع عدونا”. وفي خطوة قد تحدث تحوّلاً في المشهد الجيوسياسي، أبدى الإستعداد لإستئناف التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن برنامج إيران النووي، وذلك في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تطورات شديدة الخطورة مع إستمرار حرب إسرائيل على غزّة، وإغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة في طهران الشهر الماضي.
لم تتوان وزارة الخارجيّة الأميركيّة في الرد. قالت “إن الولايات المتحدة ستحكم على قيادة إيران من خلال أفعالها، وليس أقوالها”.
وأضافت:”إننا ننظر في نهاية المطاف الى الدبلوماسيّة بإعتبارها أفضل وسيلة للتوصل الى حلّ فعّال ومستدام في ما يتصل بالبرنامج النووي الإيراني، ومع ذلك فإننا بعيدون كل البعد عن أيّ شيء من هذا القبيل في الوقت الحالي في ظلّ التهديدات الإيرانيّة على كافة الأصعدة، بما في ذلك التصعيد النووي، وفشلها في التعاون مع الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة”.
فتحت المواقف المعلنة باب الحوار، مع الإقرار بالصعوبات والعقبات. تعرف طهران أنه لا يمكن التوصل الى إتفاق مع إدارة الرئيس جو بايدن خلال ما تبقّى من أسابيع قليلة من عمر الولاية، ذلك أن المعركة الإنتخابيّة “عالمنخار” ما بين كامالا هاريس ودونالد ترامب، ومفاوضات غزّة فوق صفيح ساخن، وجبهات المساندة مشتعلة، والبحر الأحمر ينزف..
ومع ذلك رمت بصنّارتها في هذا التوقيت، كخطوة مدروسة، وتنمّ عن نباهة، فإذا ما علق شيء من قبل الإدارة الديمقراطيّة، يبنى عليه، وإلآّ فإنها تكون قد زرعت في أيلول لتحصد في كانون، فإذا فازت مرشّحة الحزب الديمقراطي، تستمرّ المياه في إنسيابها، وإذا فاز مرشّح الحزب الجمهوري ـ العدو اللدود دونالد ترامب ـ فإنه سيكتشف بأن الصنّارة الإيرانيّة في بحره قبل وصوله، وعليه تقع المبادرة، وحسن التصرّف!
تريد واشنطن فرصة لإلتقاط الأنفاس. تريد هدنة. تريد تهدئة قبل موعد الخامس من تشرين الثاني المقبل حتى لا تجري الإنتخابات فوق صفيح ساخن يمتدّ من أوكرانيا حتى الشرق الأوسط. إنها تبذل قصارى جهدها لمنع حرب واسعة في الشرق الأوسط تعيد خلط الأوراق على المسرح الدولي. التجديد لـ”اليونيفيل” في جنوب لبنان يصبّ في هذا الإتجاه. يعتبر وزير الخارجيّة والمغتربين عبد الله بوحبيب أن الدبلوماسيّة اللبنانيّة قد حققت إنتصاراً على العدو الإسرائيلي، بمعنى أن مجلس الأمن الدولي لم يأخذ بالشروط الإسرائيليّة، وتم التجديد بصورة روتينيّة. لكن على البيدر الدولي توجد حسابات تتعارض ومقادير المصلحة اللبنانيّة، منها:
أولاً ـ إن التجديد الروتيني يعني أن المجتمع الدولي الذي يقف وراء مجلس الأمن، يسلّم بالوضع السائد في الجنوب، ويقرّ ضمناً بوجود جبهة مشتعلة عند “الخط الأزرق” تدعى “جبهة المساندة”، في حين أن حكومة “تصريف الوطن” التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي تقرّ، وتعترف، وتعلن على الملأ أنها ضد الحرب، ومع عودة الهدوء والإستقرار، وكانت تأمل من مجلس الأمن أن يغتنم الفرصة، ويطرح مبادرة من شأنها أن تؤدي تلقائياً إلى وقف حرب الإستنزاف، وفرض الهدوء والإستقرار، وهو قادر، لو شاء.
ثانياً ـ إن قرار التمديد قد أعاد التذكير بأن مهمّة “اليونيفيل” هي مساعدة الدولة اللبنانيّة على تنفيذ القرار 1701. وقد انتدبت منذ آب 2006 لإنجاز هذه المهمة، لكنها لم تتمكّن منذ ذلك التاريخ، ولو فعلت، لما كانت هناك حرب في الجنوب، ولا “جبهة مساندة”، ولا مسلّحين، بل جيش لبناني منتشر على طول الحدود مع “فلسطين المحتلة”، والمعترف بها دوليّاً، تؤازره قوات “اليونيفيل”. لكن مع الأسف ما زال الوطن عالقاً وسط الدوامة القاتلة. نزيف، وإستنزاف، وحروب الآخرين على أرض لبنان!
ثالثاً ـ إذا كان القرار 1701 لم ينفّذ في السابق لإعتبارات، وحسابات، ومصالح خارجيّة إقليميّة – دوليّة، فهل سينفّذ راهناً؟ وكيف، إن لم تكن هناك إرادة أمميّة، ومبادرة دوليّة تضعه موضع التنفيذ، غير عابئة بالقوى الرافضة، والأصوات المعترضة؟!
رابعاً ـ إن قرار التمديد لـ”اليونيفيل” يتحدث عن “الخط الأزرق”، وكأنه خط الحدود مع فلسطين المحتلة، في حين أن لبنان يتمسك بالحدود الدوليّة التي أقرتها اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان والكيان الإسرائيلي، بإشراف الأمم المتحدة، في 23 آذار 1949 .
ربما شاءت واشنطن من وراء قرار التمديد، أن تجدّد الثقة بالموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين ليكمل مهمته في ترسيم الحدود البريّة مع فلسطين المحتلة، فتصيب بذلك عصفورين بحجر واحد: الإمساك بمفاوضات الترسيم. والتمسك بـ”المواصفات” التي تريدها، عند إتمام العمليّة، والتي تتناغم ومصالح “إسرائيل”!
خامساً ـ لقد تمّ التمديد بالأمس، لكن السؤال بقي حاضراً برسم الحكومة اللبنانيّة اليوم، وغداً، وربما بعده… متى يتمّ تطبيق القرار 1701؟ وكيف؟ وهل تمتلك المقومات المؤاتية لوضعه موضع التنفيذ، أم أن الإتكال على الخارج لا يزال سيّد الموقف. وسيّد الحسابات والرهانات؟!
أغلب الظن، أن مجلس الأمن الدولي، بقراره الأخير، قد أقرّ بما لا يقبل الشك، أن لبنان الوطن، لا يزال مجرد “طاولة شطرنج” تحرّك حجارتها المصالح الأميركيّة ـ الإيرانيّة ـ الإسرائيليّة… وإلى حدّ ما، الدوليّة.. حتى إشعار آخر!