| هيام القصيفي |
الكلام عن الحرب لا يعني أنها ستقع، وإن كان الجميع يتهيّأ لها. في واشنطن كلام عسكري حول وجهة الحرب التي لن يربحها أحد ولن يخسرها أحد، لتصبح أشدّ خطورة في حال حصولها.
ينقل عن أحد كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين الرفيعي المستوى قوله في أحد اللقاءات أخيراً إن «الحرب التي يُخشى منها في الشرق الأوسط هي من نوع الحروب التي لا يمكن أن يربحها أحد أو يخسرها أحد». أي أنها ستكون حرباً مكلفة من دون أن يصل أيٌّ ممّن سيتورطون فيها الى النتيجة التي يتوخاها منها.
من هنا، ارتفاع منسوب الخوف من حصولها لدى الأطراف المعنيين بها مباشرة، وفي العواصم الدولية على اختلاف اتجاهاتها، لأن نتائجها ستكون كارثية في انعكاسها على كل دول المنطقة.تعطي هذه الخلاصة لمحة عن التفكير الأميركي العسكري – السياسي حيال ما يحتمل حصوله، في حرب لا يخوضها طرفان متقابلان، بل تتعدد فيها الأطراف، ولكل منها حسابات مختلفة. وهذا يؤدي في نهاية المطاف الى زعزعة الخلاصات التي يمكن أن ترسو عليها نتائج أيّ حرب، فكيف إذا كانت تتعلق بقضية تتدخل فيها أكثر من دولة وأكثر من طرف عسكري، وتتشابك فيها القضايا والساحات بكل تركيباتها.
حتى الآن، لا يزال التقييم الأميركي ينحاز إلى خيار اللاحرب، وعلى يقين بأن الأطراف المعنيين لا يريدون الانزلاق إليها. لكن الخلاصة نفسها لا تزال أيضاً تخشى، رغم كل الرسائل المتبادلة حول الرغبة الجامعة في تفادي الانفجار الكبير، من خطأ يؤدي الى وقوع الحرب بمعناها الواسع. من هنا، حجم التدابير والاحتياطات الغربية الاستباقية، وهي كلها تقع ضمن استراتيجية واسعة، لا تتعلق فقط باستعراض القوة أو بحجم الانحياز التلقائي الى إسرائيل التي تصرّ على التصرف على أنها ليست في وارد التراجع عن أهدافها، لأن المرتبة الثانية التي تلي الاستعداد العسكري تتعلق بالوقائع السياسية المتأتية لاحقاً عما قد يحصل.
ومقولة «لا أحد يمكن أن يربح الحرب ولا أحد يمكن أن يخسرها»، بحسب الخلاصة العسكرية، لا تتعلق بكلام عن توازنات عسكرية أو ردع متبادل أو شكوك حوله أو نوايا الأطراف المشاركة في الصراع حالياً، بل في قراءة الاصطفافات الدولية والإقليمية حيال القوى التي ستتورط في الحرب، كما مستقبل المنطقة وفق ما بدأ ينتج من حدث 7 تشرين الأول.
من هنا، تقرأ دوائر أميركية مستوى الضغوط التي تمارس ليس من جانب الدول الغربية وحدها، إزاء مسار التدهور ولجمه في اللحظة المناسبة لوقف الردود المتبادلة، من أجل ضبط إيقاع المنطقة، حيث لا حلول مستدامة ولا أفق واضحاً لما قد ترسو عليه نتائج 7 تشرين الأول وتداعياته في غزة والضفة الغربية، ولبنان الذي لم يكن معدّاً ليكون ساحة مواجهة.
ولعل البداية تكمن في أن هذا الحدث الذي فاجأ الجميع ولم يكن متوقعاً أن يحصل بالسرعة التي حصل فيها، رغم الإشارات التي كانت تدلّ على انفجار يقع في لحظة ما، سحب معه القضية الفلسطينية من الواجهة، وقد يبقى الأمر كذلك لسنوات عدة مقبلة.
فرغم كل ما يعلن وما تعتدّ به دول وعواصم عربية وإقليمية حيال مستقبل القضية الفلسطينية والحلول المقترحة، ليس حلّ الدولتين أحدها فقط، فإن أنظار العالم كله تتجه نحو الحدث الوحيد اليوم، هو الصراع بين إيران وإسرائيل والحرب المحتملة بينهما ومستقبل المنطقة بينهما إن لم تقع الحرب. إذ إن هذا الصراع يؤسس لمرحلة جديدة تختلف تماماً عن السنوات السابقة التي شهدت صعود إيران ونفوذها في ساحات الشرق الأدنى، وما يمكن أن ينجم عنه من كفّ يدها أو العكس. وفي هذا الصراع، لا بد من أن تتداخل عناصر إقليمية ودولية عدة، لكل منها حساباته في تأجيج الصراع أو كبحه، أو حتى استخدامه لتعزيز صعود دول وعواصم إقليمية أخرى. لكن كل ذلك مرهون بحسابات تدرس برويّة وليس تحت ضغط الحرب أو الانتخابات الأميركية أو حرب أوكرانيا والدور الروسي وما ينتظر منه.
من هنا، تصبح التدخلات الفاعلة للجم الاتجاه نحو الحرب أكثر جدية في التعامل بواقعية، مع أن عامل الخسارة والربح سيكون مؤثراً على جميع الأطراف، بحيث تذهب المنطقة الى صراع مكلف ومدمّر وطويل الأمد، من دون أن يكتب الفوز النهائي لأيّ طرف.
لكن، في المقابل، فإن خيار اللاحرب بلا اتفاقات نهائية لا تتعلق بالمرحلة الآنية التي بدأت في تشرين الأول ولا بغزة وحدها، ولا حكماً بوقف «الأعمال العدائية» موقتاً، ستنتج منه حتماً تداعيات تضع المنطقة على فوهة بركان لسنوات مقبلة، لأنّ أيّاً من الأطراف المعنيّين ليس مستعداً لتجاوز حجم الخسارة التي تكبّدها خلال الأشهر الماضية، وهي خسارة مكلفة إذا لم يقبض سلفاً أثماناً توازي حجم الخسارة. وحتى الآن، لا تبدو الأثمان جاهزة لتدفع في الوقت القريب، في لبنان والقضية الفلسطينية والمنطقة تباعاً، للطرف المناسب ومن الطرف المناسب أيضاً.