ولعل البداية تكمن في أن هذا الحدث الذي فاجأ الجميع ولم يكن متوقعاً أن يحصل بالسرعة التي حصل فيها، رغم الإشارات التي كانت تدلّ على انفجار يقع في لحظة ما، سحب معه القضية الفلسطينية من الواجهة، وقد يبقى الأمر كذلك لسنوات عدة مقبلة.

فرغم كل ما يعلن وما تعتدّ به دول وعواصم عربية وإقليمية حيال مستقبل القضية الفلسطينية والحلول المقترحة، ليس حلّ الدولتين أحدها فقط، فإن أنظار العالم كله تتجه نحو الحدث الوحيد اليوم، هو الصراع بين إيران وإسرائيل والحرب المحتملة بينهما ومستقبل المنطقة بينهما إن لم تقع الحرب. إذ إن هذا الصراع يؤسس لمرحلة جديدة تختلف تماماً عن السنوات السابقة التي شهدت صعود إيران ونفوذها في ساحات الشرق الأدنى، وما يمكن أن ينجم عنه من كفّ يدها أو العكس. وفي هذا الصراع، لا بد من أن تتداخل عناصر إقليمية ودولية عدة، لكل منها حساباته في تأجيج الصراع أو كبحه، أو حتى استخدامه لتعزيز صعود دول وعواصم إقليمية أخرى. لكن كل ذلك مرهون بحسابات تدرس برويّة وليس تحت ضغط الحرب أو الانتخابات الأميركية أو حرب أوكرانيا والدور الروسي وما ينتظر منه.

من هنا، تصبح التدخلات الفاعلة للجم الاتجاه نحو الحرب أكثر جدية في التعامل بواقعية، مع أن عامل الخسارة والربح سيكون مؤثراً على جميع الأطراف، بحيث تذهب المنطقة الى صراع مكلف ومدمّر وطويل الأمد، من دون أن يكتب الفوز النهائي لأيّ طرف.

لكن، في المقابل، فإن خيار اللاحرب بلا اتفاقات نهائية لا تتعلق بالمرحلة الآنية التي بدأت في تشرين الأول ولا بغزة وحدها، ولا حكماً بوقف «الأعمال العدائية» موقتاً، ستنتج منه حتماً تداعيات تضع المنطقة على فوهة بركان لسنوات مقبلة، لأنّ أيّاً من الأطراف المعنيّين ليس مستعداً لتجاوز حجم الخسارة التي تكبّدها خلال الأشهر الماضية، وهي خسارة مكلفة إذا لم يقبض سلفاً أثماناً توازي حجم الخسارة. وحتى الآن، لا تبدو الأثمان جاهزة لتدفع في الوقت القريب، في لبنان والقضية الفلسطينية والمنطقة تباعاً، للطرف المناسب ومن الطرف المناسب أيضاً.