/ علاء حسن /
تقاطعت التطورات الداخلية اللبنانية مع المتغيرات الدولية، لتنتج “خلطاً مكوكياً” للمواقف والتصريحات التي تنبئ بحدوث تغيير ما على صعيد التوافقات الإقليمية المؤثرة على الداخل اللبناني.
لم تكد الحرب الروسية على أوكرانيا تصل إلى نهاية شهرها الأول، حتى بدأت التغييرات الجيوسياسية بالتبلور على الساحات المختلفة في العالم، ومنها منطقتنا، وبدأت إرهاصات التغيير في خرائط الطاقة تظهر تباعاً، حاملة معها اتفاقات محتملة، وانفتاحاً في غير ملف دولي وإقليمي.
في هذا السياق، بدا واضحاً تبدّل المواقف الخليجية تجاه لبنان. بداية من المعلومات التي تحدثت قبل أيام من إمكانية عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى لبنان، إلى حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في منتدى الدوحة واللقاءات التي أجراها على هامش المنتدى، وصولاً إلى الترحيب السعودي ـ الكويتي بالبيان الصادر عنه، والذي أكد فيه التزام لبنان ببنود المبادرة الكويتية… كلها دلالات على تبدل الموقف الخليجي تجاه لبنان عشية الانتخابات النيابية، مما يبشر بالعودة التدريجية للعلاقات اللبنانية ـ الخليجية.
وأتت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة، في ذات السياق الذي يؤشر إلى قرار خليجي بعدم الانكفاء أكثر من المنطقة، وما لهذا الانكفاء من تأثيرات سلبية عليه، خصوصاً في ظل التموضع العالمي الجديد جراء الحرب الروسية على أوكرانيا.
إلى ذلك، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى لبنان، الأسبوع الفائت، لتحمل معها دلالات عديدة، تبدأ بالسعي لانتهاز الفرصة الموجودة في انشغال الغرب، وأميركا على وجه الخصوص، عن الملفات الإقليمية، ويجدد الدعم الإيراني في مختلف المجالات الحيوية، مثل الكهرباء والطاقة والأمن الغذائي، ما يضع الجهات المعارضة للمقاومة في موقف محرج أمام الشعب اللبناني الذي باتت طموحاته محصورة بوجود الكهرباء، وعدم إقفال محطات البنزين، والحصول على القوت اليومي.
من جهة أخرى بدا لافتاً تصريح وزير الخارجية الإيراني حول العلاقات الثنائية بين إيران والسعودية من بيروت، وسد الأبواب من قبل السعوديين، في إشارة إلى أن المدخل إلى إعادة العلاقات بين البلدين يتمثل في الانفتاح السعودي على لبنان ومكوناته المختلفة.
وفي الداخل اللبناني، يبدو أن نتائج الانتخابات المقبلة أصبحت شبه مؤكدة لناحية توزيع المقاعد، وما سينتج عنه من استحقاقات لاحقة، أولها انتخاب رئيس لمجلس النواب وليس انتهاءً بتشكيل الحكومة، الأمر الذي حفّز الدول الخليجية على إعادة قراءة مواقفها تجاه لبنان، والقرار نحو إعادة العلاقات لعدم ترك الساحة لمصلحة الفريق الآخر، خصوصاً بعد انكفاء القيادات السنية عن الانتخابات، والإرباك الذي حصل جراء قرار تيار المستقبل بالانكفاء عن العملية السياسية. ويبدو في هذا السياق أن زيارة وفد الاشتراكي كانت مثمرة لناحية إقناع الطرف السعودي بعدم ترك الساحة اللبنانية، وتأثير القطيعة على حلفائها التقليديين.
وفي سياق متص،ل يبدو أن تصعيد الغارات المتبادلة بين السعودية واليمن له علاقة بالضغط لإنهاء الحرب، في ظل المعلومات المتداولة عن رغبة السعودية بذلك، لكن الفيتو الأميركي يمنع حدوث الأمر، الأمر الذي يجعل من الضرورة بمكان، في ظل أزمة الطاقة العالمية، تخفيف حدة التوترات والنزاعات في المناطق الغنية بالغاز والنفط، من أجل التخفيف من حدة انعكاسات الحرب الروسية على اوكرانيا.
فهل ستكون الحرب الروسية، بداية مرحلة جديدة من التحالفات والتوافقات الاقليمية التي ستخفف من وطأة الحرب وانعكاساتها على مستوى الطاقة والغذاء؟ أم أن نيران الحرب المستعرة ستمتد نحو هذه المنطقة القابعة على بركان من التوترات، لينفجر، خالقاً مخاضاً جديداً سيغير وجه المنطقة، ويؤدي إلى منطقة جديدة لا وجود للدول التقليدية فيها على حساب الكيانات الوليدة.