“الصفيح” العربي.. ما بين “السندان” الإيراني.. و”المطرقة” الإسرائيليّة!

| جورج علم |

 

عاد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الولايات المتحدة ببرنامج عمل جديد. ترك المواجهة مع الفلسطينيّين مفتوحة، وانتقل إلى مواجهة إيران. لم يقفل الملف مع “حماس”. لم يقل كلمته حول مواصفات “اليوم التالي” في غزّة، وأقدم فور وصوله إلى تل أبيب على اغتيال القائد العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر، واغتيال رئيس المكتب السياسي في “حماس” إسماعيل هنيّة في قلب العاصمة طهران، وطرح الصوت على الحلفاء لإعانته على مواجهة ردود الفعل.

أعلن الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله بأنه سيرد. وكذلك فعل المرشد الأعلى علي خامنئي، فيما الحسابات داخل بعض الدوائر الضيقة مختلفة، وتعتبر أن أي ردّ قد يحصل إنما يخدم مشروع نتنياهو الهادف إلى إستدراج الطرفين إلى حرب مفتوحة، واستدراج الولايات المتحدة كي تكون شريكاً مساهماً.

وتبقى كلّ الاحتمالات واردة، وأبواب المنطقة مشرّعة على كل أنواع المفاجآت الصعبة، وتظهر من وراء الكواليس جملة عربيّة إعتراضيّة على التمادي الإسرائيلي ـ الإيراني. العرب مستفزّون، يبحثون عن دور، ومكانة، وخريطة طريق يحجزون عليها أكثر من محطة، لتحقيق أكثر من هدف.

لسان حالهم يقول بأن الحرب المشتعلة، إنما هي حرب على العرب، وضدّ العرب. فضاء الصواريخ عربي. الأرض المستهدفة عربيّة. الضحايا عرب. الخراب والدمار يشمل مدناً وعواصم عربيّة، وما يجري في المنطقة مجرد مواجهة دامية، ومكلفة، بين هويتين متنافرتين متزاحمتين على إقتناص ما تبقى من حضور وحضارة الضاد.

يدور نقاش جدّي حول قمّة استثنائية قد تعقد في الرياض، أو في نيويورك على هامش إجتماعات الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من أيلول المقبل، لقراءة المرحلة بأبعادها، وتداعياتها…

وكانت جامعة الدول العربيّة قد وسّعت هامش الإتصالات في محاولة “جس نبض” حول إمكانية عقد قمّة إستثنائيّة قبل الخامس من تشرين الثاني المقبل موعد الإنتخابات الأميركيّة، وأيضاً قبل بدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية في أيلول المقبل، بهدف بلورة موقف عربي مشترك من التحديات الماثلة في منطقة الشرق الأوسط، إنطلاقاً من غزّة، مروراً بالدولة الفلسطينيّة، وصولاً إلى تداعيات الصراع الإسرائيلي ـ الإيراني.

في الأسباب الموجبة:

أولاً ـ إن “طوفان الأقصى” قد أخذ في طريقه الكثير من الأوراق التي كانت تشكّل ضغطاً على حكومة المتطرفين في تل أبيب، وكانت تخدم مشروع قيام الدولة الفلسطينيّة. الآن نكبة جديدة، وعقبات جديدة، ودفتر شروط جديد، لأن المستثمرين بالدم العربي ـ الفلسطيني قد حوّلوا القضية إلى مطيّة، واستغلّوها بشراهة لتحقيق مآربهم، وإشباع نهم طموحاتهم، فيما “تركوا الأشلاء لأصحاب الحقوق”!

ثانياً ـ إن المؤامرة على القضيّة الفلسطينيّة كانت بإشراف أميركي ـ أوروبي ـ غربي، ولا تزال مستمرة تحت عنوان “العجز” بإقناع نتنياهو وحكومته بوقف إطلاق النار في غزّة، وفرض مواصفات اليوم التالي في القطاع، والعمل السوي على مشروع قيام الدولة الفلسطينيّة.

تستطيع الإدارة الأميركيّة ـ لو شاءت ـ أن تفرض حظراً للأسلحة والذخائر على إسرائيل لكي تنتظم، وتدخل في بحث جدّي حول آليات عملانيّة لإنهاء الصراع، لكن النهج المتبع غنيّ عن التعريف لجهة القول بوجود تواطؤ، وربما “شراكة إستراتيجيّة” في حصول ما يحصل، والمضي معاً حتى نهاية النفق!

ثالثاً ـ إن “الدبلوماسيّة المكوكيّة” بين بعض عواصم دول المنطقة قد أثبتت عدم جدواها. مصر منذ اليوم الأول على خط الوساطة لوقف مذبحة غزّة، قطر، المملكة العربيّة السعوديّة، العراق، جامعة الدول العربيّة، وآخرين… والنتيجة عالقة وسط حلقّة يتجاذبها اليمين الإسرائيلي المتطرّف من جهة، و”الأذرع الممانعة” من جهة أخرى، فيما النتيجة نافرة بحواضرها ومظاهرها، وعلى حساب ما تبقى من إمكانات ومؤهلات.

رابعاً ـ كان التحدي قبل “طوفان الأقصى” يدور حول تعزيز المصالح العربيّة، وحمايتها. اليوم اختلفت الحسابات، وأصبح الخطر يتحدّى مصير ومستقبل الكثير من الكيانات العربيّة التي تخضع لتجارب التفكك، والإنحلال، ولعبة ترسيم الخرائط بصيغ جديدة مبتكرة ترسمها صفقات توازع المصالح!

هل يتحرّك الدم العربي في الشرايين المترهّلة؟

هناك محاولات تبذل لجمع القادة العرب لمواجهة الواقع الصعب. لقد تبدّلت الأولويات، وتحوّلت دول كثيرة إلى حقل تجارب، وإذا توسّعت الحرب فستفرض أهوالها وتداعياتها على دولهم، رغماً عنهم، وإذا إتجهت الأمور نحو طاولة الحوار، فلا مكان لهم عليها من موقع التدبير، والتأثير، والتغيير…

يميل الرأي الراجح نحو عقد قمة عربيّة ـ إسلاميّة، كونها الأكثر قدرة على صياغة موقف، وتسويق مطلب تجمع عليه. وهناك لجنة متابعة وزاريّة تجتمع وتتشاور بصورة دوريّة، وتتابع مجريات الأمور، وتطورات الأحداث، بحرفيّة، وشموليّة، وعلى علاقة جيدة مع الولايات المتحدة، والكثير من عواصم دول القرار، لكن النتائج متواضعة، إن لم تكن مخيبة، وهذا ما دفع ببعض أعضاء اللجنة إلى إحياء الدعوة لعقد قمة “تقييميّة” تستضيفها الرياض في تشرين الثاني المقبل، وبعد مرور عام على انعقاد القمّة الأولى، لقراءة ما مضى من أحداث، ومتغيرات، وبحث التحديات الجديدة، ودرس الإمكانات، والتفاهم على خريطة طريق يمكن أن تؤدي إلى تحقيق بعض الأهداف.

المأزق، أن إيران كانت مشاركة في القمّة الاستثنائيّة التي استضافها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في تشرين الثاني 2023، ووافقت على المقررات، لكن لم تتوافر الشفافية الكاملة الضامنة لحسن سير التنفيذ. والمأزق أن الإتفاقات والتفاهمات العربيّة – الإيرانيّة بقيت حبراً على ورق رغم الإبتسامات، والمجاملات. والمأزق أن معظم الدول العربيّة فيها ما يكفيها من الإضطرابات والإنقسامات، وعاجزة عن إصلاح أمرها، فكيف بوسعها إصلاح أمور الآخرين. والمأزق المأزق أن العرب ـ بغالبيتهم ـ ينتظرون مرور القطار الدولي.. لكن إذا مرّ بهم قد يحملهم إلى محطات لا يريدونها، وأماكن لا يتمنونها… إنه الإستسلام!