“معركة المصارف” فصل من رواية.. وميقاتي تأخر في الضرب على الطاولة!

 / جورج علم /

تركت التدابير الإجرائيّة بحق “فرنسبنك”، ردود فعل غاضبة.

فرنسا لا تحتمل “الانتهازيات الصادرة عن ضيق صدر، وضيق فكر، وضيق تبصّر، وضيق أفق. الوقت ليس لبث السموم وتنفيس الأحقاد، إنه للهدوء، والتروي لإنجاز الاستحقاق الانتخابي بأكل الأكلاف الممكنة”.

السفارة الأميركيّة لم تُفاجأ، ما جرى ربما يخدم مساراً إنطلق قبل انتفاضة 17 تشرين، لتخريب النظام المصرفي، لكن النتيجة محسومة. لبنان باق، يعني النظام الاقتصادي الحر باق!

الأوروبيّون يجزمون: “محاولات قطع خطوط التعاون بين المصارف اللبنانيّة، والمصارف الأوروبيّة، لن تمر”. و”اللاعبون في الظلمة مكشوفون. وإذا كان الهدف إبعاد لبنان عن البنك الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، فالأوكسجين المحلي ـ الإقليمي لا يكفي، والمؤسستان الدوليتان حاجة وضرورة، ليس فقط لمنع الإختناق، بل لإطلاق خطة التعافي”.

محليّاً: ما جرى كان أبعد من “زوبعة في فنجان العهد، والحكومة الميقاتيّة”. لقد خرجت الأسرار من مخابئها، ويُفترض أن تُقال الأمور على عواهنها، وبوضوح:

  • الإجراءات التي اتخذت بحق مصرف “آل القصّار”، إنما اتُّخذت بحق مؤسسة مالية معروفة الهويّة، والحسب، والنسب.
  • التوقيت لم يكن بريئاً، بل تزامن بعد أقل من 72 ساعة على إعلان آخر عضو في نادي رؤساء الحكومة السابقين عزوفه عن خوض الإنتخابات.
  • مسار الإستهداف لمكوّن أساسي، ورئيسي، وميثاقي في البلاد، لا يقتصر على البعد السياسي، بل المالي ـ الاقتصادي أيضاً.
  • الإجراء تمّ في سياقٍ من التدابير الزجريّة، كان آخرها منع رؤساء مجالس إدارة عدد من المصارف الكبرى، من السفر، والحجز على أموالهم ومقتنياتهم الخاصة.
  • رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تأخر كثيراً في الضرب على الطاولة، والدعوة الفوريّة إلى جلسة لمجلس الوزراء، وهو الذي كان محاصراً منذ صباح الخميس الفائت بسلسلة طويلة من الاتصالات المستفسرة عن حقيقة ما يجري، والضاغطة باتجاه التخلّي عن فضيلة الصمت، وضرورة الإعلان عن موقف.
  • الرئيس نبيه برّي كان من أكثر القلقين، والمتهيّبين لخطورة ما يجري: “القصة أبعد من “فرنسبنك”، إنها استهداف للاستحقاق الانتخابي.

“القصّة أبعد”.. هل من “قصة” أولاً؟!

إحدى الشخصيات المصرفيّة، تقول: هناك قصّة بالتأكيد… لكن قبلها، هناك “تسريبة” مفادها أن ما جرى لـ”فرنسبنك”، قد يحدث لغيره، إذا مرّت هذه الغيمة الدكناء، من دون أن تثير عاصفة من ردود الفعل الساخطة، والمستنكرة، لأن جهات سياسيّة تتخوف من مالٍ سياسي قد يأتي من جهات خارجيّة ممولة، وداعمة، عبر بعض المصارف المحليّة، لإحداث تغيير كبير في المشهد الانتخابي، قبيل افتتاح صناديق 15 أيار المقبل…

وتتابع: “أما الحكاية فلها أصول، وفروع، وبدايات انطلقت مع انطلاقة العقوبات الأميركيّة بحق نواب، ووزراء سابقين، بتهم الفساد، والثراء غير المشروع، واستغلال المال العام. وتطورت الأسباب والدوافع مع انطلاقة المواجهة بين حزب الله، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بأسلحة البيانات التي كانت تنضح بالإتهامات، ومن العيار الثقيل. ثم كانت موجة العقوبات الثانية التي طاولت مصارف قيل بأنها الرئة المالية التي يتنفس من خلالها “الحزب”، أمثال “جمّال ترست بنك.. وغيره”. وبعدها، كان “القرض الحسن”، والطلاق الكبير مع مالية الدولة المستندة الى “سيبة” مصرف لبنان، ووزارة المال، وجمعيّة المصارف… وآخر “الإملاءات” كان في الإعلان عن رفض التفاوض مع صندوق النقد الدولي، و”الامتثال” لشروطه، والتوجه بالاقتصاد اللبناني شرقاً، وإدخال الولايات المتحدة، وبعض دول الإتحاد الأوروبي ضمن الاسطوانة المتقنة نظماً، وتلحيناً، وعزفاً، في الهجوم، والانتقاد، والتشهير…”.

وتؤكد الشخصية المصرفية أن مسار النيل من النظام المالي ـ المصرفي ـ الليبرالي، جزء لا يتجزأ من مشروع تدمير النظام الإقتصادي الحر، وهو مسار ناشط على قدم وساق، وآخر تجلياته كان ضرب مشروع الوكالات الحصريّة، لأنه يطال شريحة من رجال المال والأعمال المعروفين بنجاحاتهم، ومواقعهم، وخلفياتهم السياسيّة والفئوية…

وتُنهي الشخصية المصرفية بالتأكيد على نقطتين:

الأولى، لا يمكن لحكومة الرئيس ميقاتي أن تستمر في لعب دور حكومة تصريف الأعمال، وتتعاطى مع الملفات “على القطعة”، وتدوّر الزوايا الحادة بتدابير مؤقتة سرعان ما ينتهي مفعولها، وترجىء كل ما هو مهم، وأساسي، ومصيري، إلى حكومة ما بعد الإنتخابات النيابيّة كي تتحمل هي مسؤوليّة المعالجة.

الثانيّة، أن مجلس الوزراء لن يقدم على مواجهة الملف المصرفي ـ المالي المطروح على جدول أعماله، إنطلاقا من الجذور، والأسباب، والخلفيات العميقة، والأبعاد، والأهداف الخطيرة، بل من منطلق استخدام المراهم لاحتواء الوجع مرحلياً، حتى موعد الإنتخابات، علماً بأنه يعرف تماماً بأن “المراهم” لا تلغي احتمال تفجير “عبوات معدّة بإتقان”، وفي توقيت شديد الحساسيّة، لنسف الانتخابات، وترك البلد عند عتبة المجهول…