ماذا تخفي مذكرة التوقيف الفرنسية للأسد؟

| علي فضّة |

قبل الشروع بالتعليق على مذكرة التوقيف الفرنسية الصادرة عن القضاء الفرنسي بحق الرئيس السوري بشار الأسد، ينفع وضع الأمور في مكانها، سيما أنّ فحوى الادعاء هو الاتهام بـ”استخدام أسلحة كيميائيّة في الحرب السوريّة، خصوصًا التي حدثت في 4/5 آب عام 2013 في كلٍ الغوطة الشرقية لدمشق ودرعا”، حسب الادعاء.

الذرائع…

سوريا كدولة لم تكن تصرّح علنًا بامتلاكها أسلحة كيميائية. هذا لم يكن خافيًا على أجهزة الاستخبارات العالمية، والإسرائيلية تحديدًا. لكن بعد أن أُميط اللثَام عنها، عندما وضعها الرئيس الأميركي باراك أوباما على طاولة العلن، ضمن تصنيفها بالخط الأحمر التي ما أن استخدمت حتى كان لأميركا ذريعة التدخل المباشر بالحرب السورية. ذاك كان قبل أكثر من سنة من الإعلان عن تعرض دوما ودرعا لهجمات كيميائية، اتهم بها الجيش العربي السوري. مفارقة غريبة، أليس كذلك؟

ينقل عن محمد حسنين هيكل أنّ الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان قال لرئيس الاستخبارات التركية آنذاك حقان فيدان ـ وزير الخارجية الحالي، “أوباما وضع خطوطًا حمر، محورها حول استخدام الأسد للكيميائي. فليكن.. لنعطيه الذرائع”. لكن هذا الاقتباس هو دليل من دلائل أن الجيش السوري لم يستخدم تلك الأسلحة، وليس أهمها أن غاز السيرين ليس من النوع التي تستخدمه سوريا. لن أتعمّق أكثر في الدفاع، لأنّ منظومة الأسلحة الكيميائية السورية، كان لها بعد آخر…
الأسلحة الكيميائية السورية ـ الدور والوظيفة.

عندما ظهر للعلن أن “إسرائيل” تملك سلاحًا نوويًا نهاية ستينات القرن الماضي (وللمفارقة بمساعدة فرنسية!)، ذلك بعد ما كان يعرف بـ “الغموض النووي”، أرادت الدوّل التي تكن عداءً جذريًا لـ”إسرائيل”، إحداث توازن استراتيجي. لم يكن من الممكن إحداث هذا التوازن نوويًا، فالجنوح كان نحو منظومات أسلحة كيميائية، وطبعًا سرًا من دون الدخول باتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية. ذلك كان لسببين:

اولًا ـ كان لدى “إسرائيل” ما يعرف بـ”عقيدة بيغن”، والتي تعني بأنها ستوجّه ضربات استباقية وقائية للحد من انتشار أي سلاح ردعي، نووي كان أم غيره.

ثانيًا ـ بناءً على ما ذكرنا أعلاه عن “الغموض النووي”، كانت “إسرائيل” ترفض بشكل قاطع الانضمام الى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية باعتبارها تضر بـ”أمنها القومي”، حيث اكتفت بمذكرة “أشكول – كومر” التي تمت بين “إسرائيل” والولايات المتحدة في 10 آذار/مارس عام 1965، والتي للمرة الأولى تتضمن تأكيداً إسرائيلياً مكتوباً بأنها لن تكون أول من يدخل السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، فأتت بعدها فضيحة مردخاي فعنونو، الفني النووي الإسرائيلي الذي شرح تفصيلًا لـ”صنداي تايمز” مشروع الأسلحة النووية الإسرائيلي، لتكر سبحة التسريبات عالمًا ومن أكثر من جهة.

إذن، من هنا نعرف أهميّة السلاح الكيميائي السوري، ولماذا كان كل التركيز عليه، كدور ردعي ووظيفة استراتيجية توازنية مع “إسرائيل”. وكل ما جرى حول هذا الموضوع هو لنزع هذا السلاح المقلق، وفق “عقيدة بيغن”، على طريقة “العم سام”. هذه الغاية الكلية من هذه الاستماتة الأميركية خاصةً، والغربية عامةً، تجاه منظومة الأسلحة الكيميائية السورية.

مذكرة التوقيف الفرنسية بحق الرئيس بشار الأسد

هنا تجدر الإشارة إلى أنّ الدعوى ضدّ الرئيس بشار الأسد في فرنسا مرفوعة منذ سنة 2020. إذن لنسأل عن التوقيت: لماذا اليوم؟! ببساطة، إن توقيت تحريك القضية أتى بعد أن قطعت سوريا شوطًا في إعادة علاقاتها مع جيرانها، ومع العرب عمومًا على المستوى السياسي، حيث تعتبر اليوم في مرحلة التعافي من العزلة، وهذه المذكرة اليوم تأتي في سياق التشويش، أما مفاعيلها فهي كالذبابة التي تقرفك ولا تقتلك، لأن القطار انطلق، وأساسًا المنطقة والعالم في مرحلة إعادة تشكيل جديد، وسوريا جزء حيوي منه في المنطقة، ودورها لا يستطيع عليه أحد إلّا سوريا.

لكن، لا ننكر أنها أعطت اليوم فرصة لشرح أهداف تفكيك منظومات الأسلحة الكيميائية السورية، ومن المستفيد منها باستخدامها ضمن الحرب السورية.