“عصف فكري” فرنسي: 5 بنود لـ”عقد جديد” في “الطائف القديم”!  

/ جورج علم /

بدأت تداعيات الأزمة الأوكرانيّة تتفتق براعمها على الساحة اللبنانيّة. هناك مهمة جديدة لدى بعض السفراء، هدفها الدفع بلبنان ليكون الى جانب هذا المحور، دون ذاك. لقد خفت الصراخ حول بيان الخارجيّة اللبنانية، لتبدأ مرحلة الإستقطاب. ويبدو أنه كان مطلوبا صدوره “مفخخا”، ليؤذن ببدء مرحلة الدفع نحو الإنحياز!

ومن المؤشرات:

ـ المبارزة الإعلاميّة ما بين السفيرين الروسي والأوكراني.

ـ حركة السفيرة الأميركيّة على المسؤولين، والفعاليات.

ـ توقيت زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية المسؤول عن مكافحة تمويل الإرهاب، والجرائم المالية، للتهويل، والضغط لتصحيح إتجاه البوصلة اللبنانية.

ـ وجود كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، وفي هذا التوقيت، لحقن “القرار” اللبناني، بالمصل الأوروبي.

ـ ثم الحديث عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي جان ـ إيف لو دريان. زيارة، إذا ما تمّت، لن تكون للدعاية، بل “للرعاية”!

يسود حديث في الوسط الرسمي عن “ألف باء” جديدة لقراءة العلاقات اللبنانية ـ الفرنسيّة، في ضوء التطورات المتسارعة على المسرح الدولي. كانت الأولويّة قبل 24 شباط المنصرم، مقتصرة على قراءة التحديات المؤثّرة على مستقبل لبنان المرابط عند مفترق مصيري، ما بين الدعوة الى الحياد الإيجابي، أو الإلتحاق بقطار الشرق. بعد هذا التاريخ تغيّرت الأحوال، والظروف، والمقاربات. لقد “عزق” النفير الدولي، وعلى لبنان أن يلتحق. لكن كيف السبيل الى ذلك، وهو المنقسم على نفسه عموديّا بين فريق يصرّ على الحياد، وآخر على الإلتحاق بالشرق؟ وهل “مهمّة القناصل” الجديدة، التحكم بالمسار، والمصير؟!

ظهر مؤخراً بعض الحنين الرسمي، تجاه “الأم الحنون”، مع تزايد الضغط الدولي لدفع لبنان نحو “الإنحياز”، بعد بيان الخارجيّة. حنين يعكس في طياته مدى الحاجة الى “اللحاف الفرنسي” لحماية الوطن العريان من البرد المتفلت من الجبال السيبيريّة الروسيّة ـ الأوكرانيّة. كلام يستند الى الخلفية التاريخيّة منذ سنوات الإنتداب، حتى فجر الإستقلال، حيث واكبت فرنسا نشأة الكيان اللبناني المستقل. ثم كانت  الإلتفاتة الإنسانيّة بعيد إنفجار الرابع من آب 2020، حيث سارع الرئيس الفرنسي الى تفقد المرفأ المدمّر، والوقوف الى جانب الأهالي المفجوعين. كان الشخصيّة العالميّة الوحيدة، على هذا المستوى، المبادر والمتعاطف. وقد زار بيروت ثانية، وفي أقل من شهر، طارحاً على المعنيين مبادرة إنقاذيّة، لا تزال عالقة في قصر الصنوبر.

ومن حواضر بيروت، كلام سيقال في حضرة وزير الخارجية الفرنسي، إذا  سمحت له مستجدات الأزمة الأوكرانية بزيارة لبنان. ما سيقوله المسؤولون، سيتدّرج من اللياقات، الى المستجدات.. ومسار الإنتخابات. ما ستقوله النخب الشبابيّة سيكون مندرجاً في “مشروع خريطة طريق” يحدد المسار العملاني، لبناء دولة متحررة من الموروثات الفئويّة، والطروحات الفتنويّة التفتيتيّة.

هناك بنود خمسة يعمل عليها منذ الزيارات السابقة، وجرى طرحها كـ”عصف فكري” خلال لقاءات عقدت مع العديد من الوجوه النخبوية، بهدف درسها، وتقديم مقاربات علميّة بشأنها.

أولها، عقد مؤتمر خاص بلبنان، بعد الإنتخابات، برعاية أمميّة، للتفاهم على “عقد إجتماعي جديد”، يؤكد على اتفاق الطائف القديم نفسه. يحصّن الطائف. ويصحّح الخلل في بعض بنود الطائف. الخلل الذي كشفته الممارسة. ويعطي إشارة الإنطلاق لبناء دولة الطائف.

ثانياً، التأكيد على النظام الإقتصادي الحر. وقيام نظام مصرفي يواكب روح العصر، ويأخذ بعين الإعتبار المتغيرات الرقميّة الحديثة في عالم المال والأعمال، ويراعي  الخصوصيات المحليّة ـ الإقليميّة.

ثالثاً، البنية التحتية، وقطاع الخدمات. يرمز هذا البند الى “الكنز” الذي يسعى اليه المقاول الأوروبي، والمتعهد الأميركي، والمستثمر الصيني… تتصرف فرنسا، أو تحاول أن توحي، بأنها “أم الصبي”، والأَولى بإقتناص الفرص.. ولكنها تعرف بأنها ليست وحدها على الساحة، هناك منافسون، ومضاربون،  وربما معترضون أيضاً على الدور والحضور!

رابعاً، القطاع التربوي ـ الجامعي، والقطاع الصحي، وإعادة البناء والتكوين على أسس جديدة، بمناهج جديدة، وتطلعات رؤيويّة تحاكي الضرورات والتحديات.

خامساً، الإنماء المتوازن… عند الإكتفاء بمعالجة كل ما تقدم، وعلى أسس وطنيّة ـ مؤسساتية راسخة، لا خوف من إعتماد اللامركزية الإنمائية ـ المالية ـ الخدماتية. عندها تصبح ضرورة ملحّة.

ويبقى سؤال: هل هذا كله برسم الوزير لودريان إن حضر؟

الجواب: لا… حضوره سيكون بداية الطريق نحو المؤتمر.. بعد الإستحقاق.

… ولكن من يضمن الإستحقاق، في زمن الإنسحاق؟ وفي ظلّ إنشغال الورشة الدبلوماسيّة في بيروت، لحمل لبنان ـ المنقسم على نفسه ـ  على الإلتحاق بهذا المحور، دون ذاك؟!