تصوير: عباس سلمان

هوكشتاين عائد.. إرفعوا له أقواس النصر!

| جورج علم |

عندما يهتزّ جبين بعلبك، تنكفئ الشمس تحت الأعمدة، ليبقى للشموخ مكان، وللمكان مهابة ووقار، وللوقار مشوار مع الحقيقة الصافية من أي دنس إستغلالي ـ شعبوي.

الحقيقة أن الغرب الأوروبي متواطىء، كما الأميركي. وإن التواطوء يشجّع الكيان المحتل على تكثيف ضرباته الموجعة لرفع الحواجز التي تعترض الأفكار التي حملها آموس هوكشتاين إلى بيروت. يريدها الأوروبي، كما الإسرائيلي، والأميركي، بكراً كما ولدت، دون أيّ عناء في التعديل والتطوير، أو البحث عن بديل.

ثمّة وقائع صادمة ترسم مشهداً طافراً بالدم. فرنسا بهلوانيّة، “بروباغنديّة”، رئيس “يدرز” التصريحات الاعتباطيّة “درزاً”، فتأتي الردود ساخرة من مقادير الخفّة. في الأمس البعيد طالب بـ”عدم إذلال روسيا”. اليوم يطالب الإتحاد الأوروبي بالإقدام، وحلف “الناتو” بالدخول إلى أوكرانيا لـ”إذلال روسيا”! في الأمس جاء إلى لبنان مبادراً لحماية مصالحه، وتلميع صورته كحارس لهذا الجسر الذي يشكّل صلة الوصل ما بين الغرب والشرق. وجاءه الأميركي يقول: “كش ملك”. يريد زعامة أوروبيّة، ويسعى إليها بكل جوارحه، لكن ما العمل إذا كان الألماني في مركز الصدارة ماليّاً واقتصاديّا. يحاول دائماً التودد إلى الصديق الأميركي اللدود، لكن لا هو تمكّن من نسج علاقات ثقة مع الإدارة الديمقراطيّة، ولا هو متمكّن من نسجها مع الإدارة الجمهوريّة، خصوصاً إذا ما استطاع دونالد ترامب اجتياز عتبة البيت الأبيض في تشرين الثاني المقبل.

أما “الخماسيّة” التي احتلت الصدارة في الإعلام، ومجالس المسؤولين، فلا حول لها، ولا قوّة، ولا مكان لها في الإعراب، لغاية الآن. إنها على خلاف عميق حول ملفات كثيرة، ضمناً الملف اللبناني. والدول النافذة فيها مجنّدة لخدمة الأجندة “الإسرائيليّة”. السفيرة الأميركيّة في بيروت هي من يهندس الاجتماعات، ويرتّب جدول الأعمال، على أن تترك للآخرين الصورة، والابتسامة، والكلام المتماهي مع الفراغ.

تتسلّى “الخماسيّة” بيومياتنا، وتسخر من مركبات نقصنا، وسرديات خلافاتنا وتفاهاتنا. تحدّثنا يوماً عن الفراغ الرئاسي، ويوماً آخر عن الفراغ المؤسساتي، ويوماً ثالثاً عن الفراغ الأمني ـ السيادي، وفي كلّ مرّة تقدم فيها على حراك، تستودع الاجتماعات والكولسات وعوداً وأمنيات لا تسمن ولا تغني عن جوع.

وحده الأميركي “الساحر ـ الساخر” يعرف الطينة، والقماشة، يستكثر على لبنان وزيراً زائراً، ويكتفي بإرسال موظّف من الدرجة الرابعة، ليملي الإملاءات، ويوزّع المهمّات. أليس آموس هوكشتاين هو المغوار المنقذ بنظر شريحة واسعة من اللبنانيّين؟ أليس هو بطل ترسيم الحدود البحريّة، ومهندس ترسيم الحدود البريّة، والمؤتمن على كلمة السر الإسرائيليّة في ما يتعلق بالترتيبات الأمنيّة، والترتيبات الحدوديّة، والترتيبات التطبيعيّة؟ مكتبه الرئيسي في تل أبيب، أما في بيروت فمنقوشة زعتر، عند صخرة الروشة، و”صفيحة بعلبكيّة” في مدينة الشمس، ونزهة بين أعمدة “جوبيتر”، و”شوية همسات وابتسامات” تحت شعار “المجالس بالأمانات”، وعندما يجدّ الجد يبقى لكل حادث حديث.

سخرت منّا، وضحكت علينا دوروثي شيا طويلاً، وعدتنا، لكن لا غاز ورد من مصر، ولا كهرباء من الأردن أنارت ليالينا الحالكة بالسواد. والحق هذه المرّة، ليس على الطليان، بل على الأميركان، صوّروا لنا “قانون قيصر” بأنه كتاب منزل، لا يمكن المسّ به، ولا تجاهله. إخترعوه ليذلّوا شعباً أبيّاً، عن بكرة أبيه.

آخر النكات المضحكة ـ المبكيّة تدور حول مهمّة الـ”سوبرمان” الجديد جيسي بيكر، الذي يحتل إسمه ولقبه عموداً كاملا في الجريدة، إنه “نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون آسيا والشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم الماليّة”، هل تريدون المزيد بعد؟!…

السيّد بيكر جاء يهدّدنا، ويهوّل علينا، إن أقدمت المؤسسات الماليّة ـ البنكيّة على تحويل أموال إلى “حماس”. لا شيء في جعبته سوى شكوك، وهواجس، وتحذير من عواقب، ومصاعب، ومصائب، إن حصل خروج عن النص. ومع ذلك يبقى للأميركي “إنفحاط”، وإفراط في التكريم، والتفخيم، والتعظيم، كونه القوّة المحرّكة، والقدرة المقتدرة.. وهذا صحيح، لكن لمصلحة “إسرائيل”، وما تريده، وتطمع به… وليس لمصلحة لبنان… حجته أن البيت اللبناني بمنازل كثيرة، وشعوب على قياس الطوائف والمذاهب والدساكر والإقطاعيات والفئويات، وليس على قياس الوطن الجامع.

وآخر الكلام أنه يتكرّم علينا بوعود برّاقة. يعدنا بضغوط يمارسها على حكومة العدو كي لا تنفّذ عدواناً واسعاً، واجتياحاً بريّاً، وأن تبقى إعتداءاتها منضبطة تحت سقوف “مقبولة”. لكن ما يجري على مستوى الميدان، يعاكس ما في البيان، و”قارئة الفنجان” في عوكر تنبئ الزوار المتحلّقين حولها بأن واشنطن قادرة على لجم الجموح “الإسرائيلي” العدواني، إن حزمت أمرها، واتخذت قرارها، لكنها لا تريد لأسباب داخليّة إنتخابيّة، وخارجيّة إستراتيجيّة تحتمّ تحقيق بنك من الأهداف عن طريق المسيّرة، والمجنزرة، وشلالات الدماء الهادرة من القطاع الغزّاوي، حتى اليمن الحوثي.

وإنه لمن المعيب والمخزي أن يتصرف رئيس دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة تصرف “البصّارة البرّاجة”. غداً الإثتين هدنة، ووقف مؤقت لإطلاق النار.. لا، الإثنين الذي يليه.. لا، الإثنين بعده… ليقتصر الأمر في نهاية المطاف على رصيف في البحر قبالة شاطئ غزّة لإدخال المساعدات بعدما عجز عن فتح معبر برّي أحكمت إقفاله النزوة “الإسرائيليّة” العدوانيّة المتسلّطة!

ويبقى السؤال: من يتحكّم بمن؟ ولمن كلمة الفصل: للرئيس جو بايدن أو لنتنياهو، أو إن الإثنين “قابرين الشيخ زنكي سوا”؟!

ويبقى “الموّال”: غداً، أو بعده، سيعود هوكشتاين إلى بيروت. إرفعوا له أقواس النصر…!

error: Content is protected !!