| جورج علم |
تتزايد وتيرة الاهتمام الأممي ـ الأوروبي بـ”جبهة الجنوب”. هناك أكثر من مقترح، وورقة عمل، ورزمة أفكار قيد التدول، لإيجاد الصيغة الملائمة لتنفيذ مندرجات القرار 1701.
تحوّلت “الخماسيّة” العربيّة ـ الدوليّة، إلى مرجعيّة، لم تعد مهمتها مقتصرة على الملف الرئاسي، بل توسّعت لنشمل ملف الجنوب. جان إيف لودريان تسلّم أمر المهمّة من الرئيس إيمانويل ماكرون مباشرة، مدعوماً بدم شبابيّ “تغييريّ” يضخّه وزير الخارجيّة ستيفان سيجورنيه في شرايين الدبلوماسيّة الفرنسيّة المترهّلة. الورقة التي إستودعها بيروت قابلة للنقاش، منفتحة على كل الأفكار والطروحات، وعلى “الخماسيّة” أن تصهر العناصر المختلفة، وتحاول سبكها في قالب الحل الذي يتوافق مع المستجدات، ويحرص على التوازنات.
منسّق السياسة الخارجيّة والأمن في الإتحاد الأوروبي جوزيب برويل يرى، من ميونخ، أن ربط “جبهة الجنوب” بـ”جبهة غزّة” خطأ استراتيجي في الشكل والمضمون.
في الشكل، لم يؤد الربط إلى تحقيق الأغراض المعلنة، لا هو منع اجتياح غزّة، ولا قلّل من حجم المآسي، ولا أرغم الآلة العسكريّة المدمّرة على إعادة النظر ببنك الأهداف المرسوم من قبل حكومة تل أبيب، والدليل أن المساعي الدوليّة المكثّفة لم تتمكن، لغاية الآن، من صياغة قرار لوقف إطلاق النار، ولا من فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانيّة، ولا حتى التوصل إلى توافق حول مواصفات “اليوم التالي” في غزّة.
ما جرى ويجري في الجنوب، جرح مفتوح، ونزف على طرفي الجبهة المشتعلة، وخسائر بشريّة، وماديّة، ومعنويّة، فيما قطار “النكبة” يسلك مساره في القطاع غير آبه بالعوائق والإعتراضات.
في المضمون، ليس من المصلحة الربط بين “الجبهتين”. وقف إطلاق النار في غزة له مساره المختلف عن مسار الجنوب. هنا ترسيم واضح لتمكين الدولة من بسط سيادتها انطلاقا من تقيد الأطراف بأحكام إتفاقية الهدنة، وتنفيذ القرار 1701.
هناك، لا ترسيم واضح بعد، ولا تفاهم حول البنى التحتيّة للحلول والتسويات، بل صراع أفكار، وتضارب نفوذ ومصالح، ومعارك طاحنة حول سلّم الأولويات ما بين الطموحات الأميركيّة ـ الإيرانيّة، وصولاً إلى الزوايا الناتئة، وكيفيّة تدويرها مع ما يتناسب ومطامح الجبهات، والميليشيات، والفئويات على تعدّد مشاربها، ومآربها. ثم ماذا لو اقتضى الحل في غزّة إلى إبعاد من تطالب “إسرائيل” بإبعادهم إلى لبنان المشرّع الأبواب؟ أي مصلحة وطنيّة في ذلك، وأي فائدة يجنيها دعاة التلازم؟ وماذا لو اقتضى الحل في غزّة إنهاء دور “الأونروا”، وتوطين اللاجئين الفلسطينييّن في الدول المضيفة؟ فأي مصلحة؟ وأيّ إنجاز؟ وأية قدرة على الاحتمال؟ وأيّة تداعيات سوف تترتب على وحدة الأرض، والشعب، والمؤسسات؟
ولم يعتمد الأوروبيّون الورقة الفرنسيّة، لكنهم لم يهملوها. حجتهم في ذلك أن قرار “تلازم الجبهتين” ليس في بيروت بل في مكان آخر. وواشنطن تعرف المكان، والخلفيات، وعندما تحزم، تحسم. قبل فترة نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر قولها إن قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني طلب من الفصائل العراقيّة المدعومة من إيران وقف هجماتها ضد قواعد القوات الأميركيّة في كل من العراق وسوريا، وذلك تجنّباً لردّ أميركيّ عنيف، بما في ذلك الإنتقام المباشر من إيران.
وأكدت “الوكالة” أن قاآني عقد اجتماعاً مع ممثلي الفصائل في داخل مطار بغداد في 29 كانون الثاني الماضي، إثر الهجوم على قاعدة “البرج 22” في الأردن، وأن الجميع امتثل، باستثناء “حركة النجباء”.
بدورها أعلنت وزارة الدفاع الأميركيّة توقف عمليات استهداف قواعدها في العراق وسوريا، موضحة أنه منذ 4 شباط، لم تقع أي هجمات، فيما وقع أكثر من 20 هجوماً في الأسبوعين اللذين سبقا زيارة قاآني.
قائد “فيلق القدس” يعرف لبنان، والضاحية، والجنوب، وكيفيّة الفصل بين “الجبهتين”، ولا شيء مستحيل يحول دون حصول مفاجآت تطيح بكل ما هو سائد الآن من شعارات، وحسابات، طالما أن الولايات المتحدة حريصة على مصالح إيران في المنطقة، وطالما أن طهران حريصة على عدم الإنزلاق نحو مواجهات مكلفة مع واشنطن في سنة الإنتخابات…
وانطلاقا من الحرص المتبادل، يحاول لودريان صياغة خريطة طريق لـ”الخماسيّة” نحو الجنوب. كما يحاول “الوسيط الأميركي” آموس هوكشتاين تذليل العقبات التي تعترض مهمته بدبلوماسيّة هادئة، منفتحة، وهادفة. أما العمارة التي يصار إلى هندستها لـ”إيواء” اتفاقية الهدنة، والقرار 1701، فتتألف، وفق ما هو متداول، من طوابق خمسة:
الأول ـ مزيد من “التفهّم والتفاهم” بين واشنطن وطهران حول ترسيم حدود المصالح، والبدء بفض الإشتباكات على الجبهات المشتعلة.
الثاني ـ أن تكون “إسرائيل” في قلب الحدث. المعادلة عنوانها: “دولة فلسطينيّة، مقابل دمج تل أبيب في العالم العربي”، وأي حلّ في الجنوب ربما يكون مرتبطاً بهذه المعادلة.
الثالث ـ إن للأمم المتحدة دور وازن. الجيش اللبناني هو حجر الزاوية الذي سيقوم عليه بناء سلام. قوات “اليونيفيل” داعمة، ووفق “أمر مهمّة” يحظى بموافقة “الخماسيّة”، والجامعة العربيّة، والدول المشاركة في عديد “القبعات الزرق” كفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا…
الرابع ـ للمقاومة دور، ومكانة. استحداث “لواء خاص بالجنوب” بإمرة قيادة الجيش، يضمّ المقاتلين أصحاب الأرض، المدافعين عن السيادة، خيار مطروح.
الخامس ـ “مسيرة السيادة” التي ستنطلق من الجنوب، ستكون جهتها قصر بعبدا، يتقدمها إنتخاب رئيس بمواصفات أمنيّة ـ سياديّة.