| جورج علم |
يأتي وزير خارجيّة إيران حسين أمير عبد اللهيان ليقابل الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله، ويبحث معه “المهمة”، وما تبقى مجرّد ديكور، وشكليات، وفلاشات إعلاميّة.
أطلق موقفا لافتاً، فور وصوله إلى المطار. قال: “أمن لبنان من أمن إيران”. لم يتفّوه مسؤول بكلمة. لم يصدر بيان رسمي يوضح، يصحّح، يملّح. إنه زمن الأعاصير والتقلّبات، والغابة مهجورة، والسباع في ضياع، والثعالب منهمكة بنهش ما تبقى. ومن له مكانة، له حصانة. واستناداً بنى مواقف تركت تموجات، وأثارت ردود فعل لدى عواصم الدول المهتمّة.
تحدّث عن حوار مع الأميركيين حول الجنوب، ولم يحدّد الأشواط التي قطعها، لكن الآذان المتلقفة كانت منتشية. يدرك اللبنانيون بأن التفاهم الأميركي ـ الإيراني وحده الكفيل بمعالجة المشاكل المعقدة من الجنوب وصولاً إلى بيروت. الدولتان نافذتان، ومؤثّرتان، وعندما يحصل التوافق، تتبدل الأحوال. لكن ما تمّ استدراكه يندرج في سياق الإستفهامات الكبرى.
أولاً ـ إن الحديث عن الحوار ليس بجديد، وما أعلنه في بيروت ما هو إلاّ تأكيد المؤكد، ذلك أن صالونات مسقط، وفيينا، والنمسا، وأوسلو… مفتوحة أمام الهمسات والوشوشات، من دون أي بوح بالأسرار، والأخبار.
ثانياً ـ هل أفضى الحوار إلى تفاهم أميركي ـ إيراني حول اليوم التالي في الجنوب؟ أم أن صاحب القول أراد أن يذرّ الرماد في العيون، ويضع “فيتو” على المسعى الفرنسي ـ البريطاني ـ الألماني ـ الأوروبي، وحتى الأممي، ليؤكد للقاصي والداني أن في لبنان “الأمر لنا.. إيرانييّن وأميركيّين”… والباقي من المستلزمات عند الضرورات!
ثالثاً ـ إذا كان من تفاهم حول اليوم التالي في الجنوب، ما هي حدود الهامش الذي سيترك للمقاومة وسلاحها، وما هو السقف؟ ووفق أي مقادير ومعايير أمنيّة، وسياسيّة، وإقتصاديّة، وإداريّة؟
رابعاً ـ إذا كان من تفاهم حول الدور الذي سيسند للمقاومة، فهل سيسري على سائر المكونات؟ وهل ينعكس تفاهماً عريضاً حول مختلف الملفات الداخليّة المعقدة، أم تأزماً مضاعفاً يؤدي بما تبقى من روابط وحدة وسيادة وعيش مشترك؟
ويتوجس الفرنسيّون من زيارة عبد اللهيان، والمواقف التي أطلقها. لسان حالهم يقول إنه جاء بالتنسيق والتفاهم مع الأميركييّن لنسف المقترح الذي استودعه وزير الخارجيّة ستيفان سيجورنيه المسؤولين، عندما زار بيروت مؤخراً. ويجزمون بأن المسؤول الإيراني قدّم مقترحاً شفهيّاً، في مواجهة الأفكار الفرنسيّة الخطيّة، تتعارض مندرجاته كليّاً مع المقترح الفرنسي القائم على:
1 ـ “عمليّة تهدئة” مدّتها 10 أيام تنتهي بمفاوضات بشأن الحدود.
2 ـ “توقف الجماعات المسلّحة اللبنانيّة” و”إسرائيل” العمليات العسكريّة المتبادلة ضد بعضهم، بما يشمل الغارات الجويّة الإسرائيليّة.
3 ـ التوصل إلى تسوية حول نقاط الحدود المتنازع عليها.
4 ـ انسحاب “المقاتلين” بما في ذلك “وحدة النخبة” التابعة لـ”حزب الله”، مسافة 10 كيلومترات من الحدود.
5 ـ تهدم “الجماعات المسلّحة” جميع المباني والمنشآت القريبة من الحدود.
6 ـ سحب “القوات المقاتلة”، والقدرات العسكريّة، بما فيها الأنظمة المضادة للدبابات، مسافة 10 كيلومترات على الأقل.
وحجة الفرنسيّين هنا، إن أيّ إنسحاب من هذا القبيل لا يزال يجعل مقاتلي “حزب الله” أقرب بكثير إلى الحدود، مقارنة مع الانسحاب لمسافة 30 كيلومتراً إلى نهر الليطاني، وفق ما نصّ عليه قرار الأمم المتحدة 1701 الذي أنهى الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي في عام 2006.
7 ـ يقضي المقترح أيضاً أن يتمّ نشر ما يصل إلى 15 ألف جندي من الجيش اللبناني في المنطقة الحدوديّة بجنوب لبنان.
أخذ عبد اللهيان علماً بأن المقترح الفرنسي لا زال قيد الدرس، وأن الحكومة اللبنانيّة لها تحفظات كثيرة، خصوصا ما يتعلق بعملية هدم المباني، وأن الفرنسيّين على استعداد للنظر بكافة الملاحظات، سواء أتت من الجانب اللبناني، أو الإسرائيلي.
وفي عودة من التنظير، إلى التدبير والتقرير، يقول الأوروبيّون إن الوزير عبد اللهيان قال كلمته، ومشى، واضعاً “فيتو” كبير على المسعى الفرنسي، من مؤشراته أن “الأوروبيّين ينخلون ويخفقون في المعجن الإسرائيلي، ويحاولون تسويق ما يتم إنتاجه، مع هامش ضيق يسمح لهم بضمان مصالحهم في لبنان، انطلاقاً من الجنوب، وأن الحرارة في الحركة الوزاريّة الأوروبيّة ما بين تل أبيب، وبيروت، معروفة الدوافع، مكشوفة الأغراض، وما كانت لتتم لو لم تكن هناك ضرورات إسرائيلية ضاغطة، وهذا عامل، إلى جانب عوامل أخرى، دفعت بحزب الله للتأكيد على تلازم جبهة الجنوب مع جبهة غزّة، وعندما يتمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة يصبح البحث ممكناً حول اليوم التالي في الجنوب، ومواصفاته، وتداعياته على الداخل اللبناني، وكيفيّة ملء الفراغات، وإعادة إنتظام المؤسسات، ومستقبل الصيغة والنظام”.
وبإنتظار ما ستحمله الأيام من مستجدات، تبقى العبرة العابرة بأن الجنوب لم يعد التبر الصافي في المثقال اللبناني، بقدر ما أصبح مجرد سهم متداول في بورصة الدول النافذة التي تسعى إلى تسوية تتلاءم ومصالحها المنتشرة من البحر الأحمر، إلى بحر العرب، إلى البحر المتوسط، مع التأكيد والتشديد على أن وجهة البوصلة لا تزال ـ وحتى إشعار آخر ـ إيرانيّة ـ أميركيّة… وعلى وقع “عودك رنّان.. رنّة عودك إلي”!