| غاصب المختار |
بدأ رد المقاومة الأولي على اغتيال العدو الإسرائيلي لنائب رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” الشهيد صالح العاروري، بإعلانها، السبت، قصف قاعدة جوية واستخبارية كبيرة ومهمة لجيش الاحتلال في عمق فلسطين المحتلة. وظهر من عبارة “الرد الأوّلي” الواردة في بيان المقاومة عن العملية، أن هناك عمليات نوعية ومؤثرة أخرى على الطريق “يحددها الميدان”، كما قال السيد حسن نصر الله، بحيث تبقى الردود محصورة باستهداف مواقع عسكرية معادية على الجبهة، وفي عمقها أحياناً، مسافات لا تتجاوز الهدف الأساسي المرسوم، وهو التزام “قواعد الاشتباك”، وتحييد المدنيين والمناطق السكينة قدر الإمكان، وعدم الانجرار لما يريده بنيامين نتنياهو، الخاسر على جبهتي غزة والجنوب، إلى حرب أوسع تستدرج تدخلات خارجية غربية، وبخاصة أميركية إلى الحرب، أو المواجهة ولو المحدودة.
وقد بدا فشل محاولات نتنياهو في استدراج الإدارة الأميركية إلى مواجهات واسعة، جلياً، في سحب حاملة الطائرات الأميركية “جيرالد فورد” والأسطول المرافق من شواطئ شرق المتوسط، وهي رسالة أميركية واضحة له بأنه ليس من يقرر متى وكيف وأين تتدخل القوات العسكرية الأميركية، لا سيما أنها منهمكة بالرد على استهداف قواعدها العسكرية في سوريا والعراق، وفي مواجهة هجمات الحوثيين في باب المندب والبحر الأحمر التي تعيق الملاحة البحرية التجارية.
وإذا كان غضّ الطرف عن جنون نتنياهو، باغتيال الشهيد صالح العاروري في معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية، بمثابة “ترضية” صغيرة له تعطيه نوعاً من الانتصار ولو الهزيل والضعيف، علّه يكتفي ويخفف اندفاعته العسكرية التدميرية في غزة، فإن الإدارة الاميركية سعت على خطٍ آخر إلى توضيح موقفها من عملية الاغتيال، “لتبرئة ذمتها” من دم العاروري، وحتى لا تتحمل النتائج وردود الفعل عليها أيضاً، عبر رسائل وصلت إلى لبنان مفادها أنها لم تكن على علم بالعملية إلا بعد حصولها بدقائق، وأن لبنان و”حزب الله” ليسا مستهدفين، بها بل هي في سياق الصراع القائم وتصفية الحسابات بين كيان الاحتلال الاسرائيلي وحركة “حماس”. ما يعني أنها تحاول استرضاء الجبهتين: العدو الإسرائيلي من جهة، و”حزب الله” من جهة ثانية.
وأرفقت الإدارة الأميركية رسائلها غير المباشرة هذه، بحركة سياسية ودبلوماسية واسعة، عبر إيفاد وزير الخارجية انطوني بلينكن ومستشار الطاقة آموس هوكشتاين إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، بهدف ضغط “الزر الاحمر” لكبح جماح نتنياهو، ووقف العمليات العسكرية، ومنع توسع الحرب. مع رسائل إلى لبنان بقرب التفاوض حول الحدود البرية، بما يكفل أيضاً التهدئة على جبهة الجنوب، على الرغم من الردود التي أعلنها نصر الله بأن لا تفاوض قبل وقف العدوان على غزة.
ومع وصول وزيرة خارجية ألمانيا إلى لبنان، يُطرح السؤال عمّا إذا كانت واشنطن قد فوضّت برلين مجدداً التفاوض مع “حزب الله” لعقد صفقة متكاملة، أسوة بما فعلته ألمانيا بعد حرب تموز 2006، بعقد صفقة تسليم جثث جنود العدو الإسرائيلي لدى المقاومة مقابل الإفراج عن الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال، وكان من بينهم الشهيد سمير القنطار. هذا عدا “المراسيل” الفرنسية، المتواصلة منذ ثلاثة أشهر، عبر الموفدين والسفير في بيروت هيرفيه ماغرو وبيانات الخارجية، من ضمن المسعى الغربي للجم العدو الإسرائيلي و”استرضاء” لبنان.