لهذا السبب أقصت السعودية سعد الحريري؟

/ نورما أبو زيد /

في زمن الحرب، أُجبِر لبنانيون كثر، على يد الأحزاب المسلّحة آنذاك، على تسليم مفاتيح منازلهم، والرحيل خوفاً من تداعيات المواجهة غير المتكافئة بين “الشاحط” و”المشحوط”.

ما فعله “المكشوفون” في زمن الحرب، فعله سعد الحريري في زمن السلم. بأمرٍ ملكي سعودي، ترك مفاتيح داره في دار الإفتاء ورُحّل، مسجّلاً بذلك أوّل عملية إقفال لبيت سياسي لبناني، على حياة صاحبه، وعلى لسان صاحبه، وفي أوجّ حضوره الشعبي، لا السياسي طبعاً.

أُسكِت سعد الحريري عن الكلام السياسي بـ “كاتم صوت”، وأُعطي إجازة طويلة من العمل السياسي، مقرّر أن تكون إجازة نهاية الخدمة، ما لم تطرأ تغييرات في الموقف على مستوى القيادة السعودية.

كان بمقدور “الرجل المسيَّر” بـ “ريموت كونترول” خارجية أن يعلن تعليقه العمل السياسي ببيان يصدر عن مكتبه الإعلامي، ولكن اتّضح تباعاً أنّ “الرجل المسيِّر” من خارج الحدود، أراد أن يُظهّر مدى قدرته على التحكّم. يضغط على زر الـ Sleep، فيحتجب سعد خلف كثبان الإمارات العربية. يضغط على زر الـ Mute، فيصبح سعد جسماً متحرّكاً بلا صوت يُسمع. يضغط على زر الـ Power، فيطلّ سعد على جمهوره بخطاب اعتزالي.

بحسب سياسي واكب عملية انتقال “البيعة” بعد وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى الأمير سلمان بن عبد العزيز، فإن الإشكالية بين الرياض وسعد مالية قبل أن تكون سياسية.

ينقل الرجل المواكب رواية سعودية تقول إنّ الطائرة الخاصة بسعد الحريري، تولّت عشية وفاة الملك عبد الله في العام 2015، نقل مبالغ مليارية من الديوان الملكي السعودي إلى خارج المملكة، وأنّ العملية تمّت آنذاك بطلب من خالد التويجري الذي كان العامود الفقري لحكم الملك السعودي الراحل، والذي بات فيما بعد على رأس لائحة موقوفي الـ “ريتز كارلتون” بتهم الفساد. تضيف الرواية: عندما “قبضت” المملكة على سعد الحريري في الـ 2017، كان السبب الرئيسي شراكته مع التويجري في عملية تهريب الأموال، وبعد تحريره بفعل الضغط الفرنسي والمواكبة اللبنانية للجهود الفرنسية، بات رأس الحريري هدفاً سياسياً للمملكة، سيّما وأنّه ما إن عاد إلى بيروت محرّراً، حتى عاد عن استقالته التي أُجبر عليها في الرياض، الأمر الذي وضعته السعودية في إطار التحدّي.

إذا كانت الرواية المالية لخلاف الحريري مع السعودية دقيقة، تكون المملكة قد اختارت التوقيت المناسب لإخراجه كلاعب سياسي من الحلبة، لأنّ مشاركته في اللعبة الانتخابية من شأنها أن تعطيه مشروعية واستمرارية.

ما يرويه السياسي المواكب، يلاقيه كلام نُسب قبل فترة لسفير السعودية في بيروت وليد البخاري، عن إغلاق وشيك لـ “بيت الوسط” بـ”شمع أحمر” سعودي.

لم تكن المسيرة السياسية لسعد الحريري مجلية، ولكن على الرغم من وضعه الركيك، اعتزاله العمل السياسي أربك محبّيه وكارهيه في الداخل على حدّ سواء، خصوصاً أنّ ابتعاده عن المشهد السياسي، جاء على أبواب الانتخابات النيابية، في ظلّ أحادية أفرغت الطائفة السنيّة من تعدديتها السابقة، واستأثرت بقرارها السياسي على مدى سنوات.

مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، كان الأكثر إرباكاً بين جموع المربكين، سيّما أنّه كان أعجز من أن يشرح لأبناء طائفته قرار الرياض بإقصاء الحريري.

يوم الجمعة، بدا المفتي سلساً في طي صفحة الحريري وفتح صفحة جديدة كما لو أنّه يقلّب في كتاب.

استيقظ فجر الجمعة، باكراً، كعادته. أدّى صلاة الفجر، وتناول فطوره، ومن ثمّ جهّز نفسه لزيارة نجيب ميقاتي في السراي الحكومي، بعدها ترافق الرجلان لتأدية صلاة الجمعة. هناك كان فؤاد السنيورة في انتظارهما. وبحضورهما، أعلن ميقاتي أن لا مقاطعة سنيّة للانتخابات النيابيّة.

قُرئ المشهد على أنّه “كبسة” سعودية لمفتي الجمهورية، ولكن أحد العالمين بخطوط الوصل والفصل، يجزمون بأنّ دريان ما يزال غير قادر على التعامل مع تداعيات إقصاء الحريري، سيّما وأنّ الاتصالات التي انهالت عليه من كلّ حدب وصوب، للاستفسار عن حاضر ومستقبل حضور الطائفة، وضعت أثقالاً إضافية على كتفيه.

بالنسبة له، كشف “لقاء المسجد”، أن الإرباك ما يزال سيداً يرخي بتبعاته على الواقع السياسي السني، خوفاً من تكرار تجربة ضمور المسيحيين التي قادتهم إليها مقاطعة انتخابات العام 1992، وإن حاول الثلاثة الإيحاء بأنّ انكفاء سعد الحريري لا يعني انكفاءً لقوة السنة.