“الشجاعية” قلعة غزّة: هزم الصليبيين.. وأذلّ “غولاني”

| خلود شحادة | 

هو “الحارس” الشرقي لقطاع غزّة، والقلعة التي بقيت صامدة بوجه محاولات العدو التسلل إليها، وبوابة مدينة غزة.

يُعَد حي “الشجاعية” واحداً من أكبر أحياء مدينة غزة، ويحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي التوغل فيه من عدة محاور، سعياً منه لاختراقه والوصول إلى عمق مدينة غزة، وتحديداً البلدة القديمة فيها.

يدرك الاحتلال جيداً مدى صعوبة الدخول إلى هذا الحي، الذي حمل من إسمه صفة لازمت أهله.

وفي ذاكرة الاحتلال، هزيمة كبرى، شكّلت ضربة مدوية للجيش الذي قُهِر على عتبات هذا الحي.

ففي الثامن من تموز 2014، دخل لواء “غولاني” التابع لقوات العدو الإسرائيلي إلى حي الشجاعية، بعد أن اخترق السياج الفاصل شرقي مدينة غزة، لكن الطريق لم تكن سهلة قط، حيث بدأت الخسائر تتراكم في صفوف الجنود بعد ساعات قليلة من التوغل.

حي الشجاعية

وبعد 14 يوماً، استدرجت قوة من كتائب “عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، قوة صهيونية، إلى كمين محكم، فقتلت 14 من جنود قوات الاحتلال وأسرت الجندي شاؤول آرون.

وصبيحة تلك العملية، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة على الحي، استشهد فيها أكثر من 70 فلسطينياً، جلّهم من النساء والأطفال، غير أن “كتائب القسام” لم تلبث أن هاجمت موقع “ناحل عوز” العسكري في غلاف غزة، عبر أحد الأنفاق فقتلت 10 جنود.

وانتهت تلك الحرب بمقتل 70 جندياً صهيونياً، وإصابة عشرات آخرين من بينهم قائد لواء “غولاني” غسان عليان، الذي خرج من الحرب بأثر دائم في وجهه، ثم ما لبث أن غادر منصبه العسكري والتحق بعمل إداري في الضفة الغربية.

غسان عليان

وبعد 9 سنوات من هذه المعركة، عاد العدو الإسرائيلي لخوض معركة جديدة في الشجاعية من جديد، حيث بدأ التوغل فيها خلال الأيام الأولى للحرب البرية التي شنتها رداً على عملية “طوفان الأقصى”.

وفي الأيام الأولى للتوغل داخل الجزء الشرقي لمدينة غزة، خسر العدو الإسرائيلي 10 عسكريين، بينهم عقيد وضباط وجنود، خلال يوم واحد في الشجاعية وحدها.

ونشرت “القسام” مشاهد اشتباك مقاتليها مع جنود الاحتلال وآلياته في الشجاعية، في حين نشر الصهاينة ما قالوا إنه “قتال من المسافة صفر”، من دون ظهور أحد من مقاتلي المقاومة.

وأظهرت اللقطات تصدّي عناصر “القسام” لتوغّل القوات الإسرائيلية بقذائف “الياسين”، قبل أن يدمّروا 3 دبابات صهيونية، بينما التقط مقاتل صورة مع دبابة خلفه وهي تشتعل قائلا: “لعيون أبو حسين فرحات”، في إشارةٍ إلى قائد كتيبة “الشجاعية”، وسام فرحات، الذي استشهد منذ أيام.

المسافة “صفر”

وسام فرحات، الشهير بـ “أبو حسين فرحات”، قاد العمليات ضد العدو الإسرائيلي منذ عام 2010، وقو قائد الهجوم في العام 2014.

وسام فرحات

وفي حين تظل الشجاعية عنوانا لقتال عنيف متجدد بين المقاومة والاحتلال، فإن جنوداً صهاينة حاربوا في هذا المكان، يقولون إن نظرتهم للحرب قد تغيرت تماماً بسبب ما عاشوه فيه.

وقال أحد هؤلاء الجنود إنها “المرة الأولى التي يخوض فيها حرباً كهذه”، مؤكدا أنه عاش “توصيفاً جديداً لمعنى الخوف”. وقال آخر إنهم أدركوا داخل الشجاعية أنهم ليسوا “سوبر مان” كما كانوا يعتقدون، بحسب تعبيره.

وقال جندي ثالث إنهم كانوا شباباً لا يعرفون ما هو معنى القتال، وإنه أدرك بعدها أن “الحرب ليست هي الخيار الصحيح، وإنه يجب عدم التسرع نحوها”.

يشهد حي الشجاعية معارك ضارية واشتباكات عنيفة منذ أيام بين قوات الإحتلال الإسرائيلي المتوغّلة من شرق مدينة غزة وبين مقاتلي كتائب “القسّام”، في حين تلفّه المآسي الإنسانية بعد القصف العشوائي والمجازر الإسرائيلية التي أدت إلى استشهاد المئات من أبنائه ونزوح الآلاف، ضمن استراتيجية تهدف إلى تدميره بشكل تام.

الدمار في حي الشجاعية

تاريخ الحي

حي الشجاعية واحد من أكبر أحياء مدينة غزة. بني في عهد “الأيوبيين” وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى “شجاع الكردي” الذي استشهد في إحدى المعارك بين “الأيوبيين” والصليبيين العام 1239م.

ينقسم الحي الذي تبلغ مساحته 8 كيلومتر مربع، إلى قسمين: جنوبي “حي التركمان”، وشمالي “حي الأكراد”، ويقطنه نحو 100 ألف نسمة وفق إحصائيات بلدية غزة لعام 2013.

يمثل العرب أصل سكان الحي، ويعيش فيه إلى جانبهم أكراد وتركمان، وهو مسقط رأس “شاعر الثورة الفلسطينية” معين بسيسو.
يوجد بالحي أكبر سوق للملابس والسلع المنزلية في غزة ويعرف “بساحة الشجاعية”، ويقام به سوق أسبوعي يسمى سوق “الجمعة” الذي يرتاده غالبا مربو الأغنام.

معالم تراثية أقدم من كيان الاحتلال

جامع ابن عثمان

يعتبر جامع أحمد بن عثمان، أو “الجامع الكبير”، الذي يقع عند مدخل المدينة القديمة، أكبر جوامع الحي، وهو يضم قبر أحد مماليك السلطان برقوق ويدعى “يلخجا”.

وتوجد في الحي عدة مساجد تاريخية أخرى منها مسجد “الهواشي” ومسجد “السيدة رقية” ومسجد “علي بن مروان”.

وتبعد مقبرة الحرب العالمية الأولى مسافة ألفي متر شمال الحي، وإلى الشرق تقع مقبرة “التونسي”. ويوجد بالشجاعية قبر يقال إنه لشخص “شمشون الجبار” الشهير.

الأهمية الإستراتيجية

يكتسب الحي أهميته الإستراتيجية من وجود تلة “المنطار” به، وهي تلة ترتفع نحو 85 متراً فوق مستوى سطح البحر، وتعتبر مفتاحاً لمدينة غزة. وقد عسكرت قوات نابليون بونابرت على هذه التلة، وقتل فيها آلاف من جنود الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى، ودفنوا جميعًا في مقبرة “الحرب العالمية الأولى” الواقعة شمال الحي.

تلّة المنطار

وكان للحي دور كبير أثناء معارك عام 1967، وقبيل اندلاع الانتفاضة الأولى وتحديدًا في تشرين الأول 1987، حيث تحول الحي إلى ساحة مواجهات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وأسفرت الاشتباكات آنذاك عن مقتل ضابط إسرائيلي واستشهاد أربعة من المقاومة الفلسطينية. ويطلق على ذاك اليوم اسم “معركة الشجاعية”.

كان الحي هدفاً لغارات جوية إسرائيلية متكررة في العدوان المتكرر أعوام 2003 و2004 و2008 و2012 و2014 و2021 و2023 على التوالي على غزة على قطاع غزة، وشهد مواجهات بين قوات الاحتلال ومقاتلي المقاومة من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بعد تعرضه لاجتياح بري إسرائيلي.

يحتضن حي الشجاعية الفصائل الفلسطينية كافة، ويشكل معقلاً لانطلاقتها لأنه شهد البدايات الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية، والجبهتين “الشعبية” و”الديمقراطية”.

من هم أبرز قادة “الشجاعية”؟

ينتمي إليه حالياً أبرز قادة الفصائل الفلسطينية الحالية، ويعد المقر الرئيسي لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
وتركّز وسائل إعلام العدو على حي الشجاعية، وتنشر صور قادة وحتّى مقاتلين أفراد، كما نشرت قناة “12” منشوراً يضم صوراً لقادة عسكريين في “حماس”، تزعم أنهم متمركزون في الشجاعية، ومن أبرزهم:

نائب قائد كتيبة الشجاعية عماد قريقع.

مسؤول الصواريخ أسامة ظاظا.

قائد سرية المساعدات الحربية محمة عجلة.

ومن أبرز الأسماء في الشجاعية “مريم فرحات”، التي توفّيت عام 2013، بعد أن نالت شهرة واسعة؛ وتلقّب بـ”خنساء فلسطين”، كونها قدّمت 4 من أبنائها شهداء، بينهم “وسام فرحات” قائد كتيبة الشجاعية، ونجلها “محمد” الذي قتل 9 “إسرائيليين” في 2002.

مرتع هزائم العدو

لواء الغولاني

شكل حي “الشجاعية” حالة خاصة لدى العدو الإسرائيلي، لما تكبده لواء “غولاني” من خسائر فادحة عقب دخوله الحي.
تأسس اللواء في 22 شباط 1948 كوحدة مشاة في جيش الاحتلال الإسرائيلي تضم الآلاف من الجنود وتتألف من أربعة كتائب رئيسية. ويرتبط تقليدياً بالقيادة الشمالية في جيش الاحتلال، وهو أحد ألوية المشاة الخمسة في الكيان.

ويرتدي عناصر اللواء قبعات بنية وأحذية سوداء، وشعارهم عبارة عن شجرة زيتون مع خلفية صفراء صحراوية. وبحسب مواقع “إسرائيلية” كان من بين المنضمين الأوائل للواء عناصر من منظمة “الهاغاناة” التي نفذت مجازر بحق الفلسطينيين في النكبة عام 1948.

وتصدر ما يعرف بـ”لواء غولاني” في جيش الاحتلال الإسرائيلي واجهة أحداث الحرب البرية في قطاع غزة، الأربعاء، بعد الإعلان عن مقتل 10 من أفراده بين قائد كتيبة وضابط وجندي، في حي الشجاعية.

وخاض “لواء غولاني” عدة حروب وحقق “انتصارات”، بحسب جيش الاحتلال، ضد الجيوش العربية، كما كانت له مشاركة بارزة في العدوان على لبنان العام 2006، إلا أنه تلقى هزيمة كبرى أمام “حزب الله” في جنوب لبنان، إذ قتل 15 من عناصره في معركة بنت جبيل وحدها.

بنت جبيل – تموز 2006

ويصنف جنود اللواء من ضمن قوات “النخبة” في جيش الاحتلال، نظراً للتدريبات القاسية التي يتلقونها قبل الالتحاق. وتعود سر تسميته بـ”غولاني” إلى تركز عمله في الجليل الأعلى وأودية الجليل، عند إنشائه.

وتعد كتيبة الاستطلاع “ساييريت غولاني” من أبرز وحدات اللواء وتتخصص في خوض عمليات قتالية متقدمة في الخطوط الخلفية للعدو.

error: Content is protected !!