/ فاطمة نعيم /
يعيش المتقاعدون في القطاع العام، تحت وطأة انهيار الليرة اللبنانية، حيث لا تزال تحتسب رواتبهم وتعويضات نهاية الخدمة على سعر 1500 ليرة لبنانية، فضلاً عن التقديمات الاجتماعية للصناديق الضامنة، التي تجبرهم على البقاء تحت رحمة السوق السوداء للدواء، وارتفاع الخدمات الاستشفائية.
آخر ضربة للمتقاعدين في القطاع العام، كانت بنود مشروع الموازنة العامة 2022 التي يعتبرون أنها “مذبحة في حق حقوقهم”، كونها لا تحتوي إلاّ على “زيادة بسيطة في الرواتب على شكل مساعدة إجتماعية”، بينما تتخذ إدراءات بحق أبناء المتقاعدين المتوفين.
وهذه ليست المحاولة الأولى من الدولة التي تنتقص من حقوق المتقاعدين، فمع صدور كل موازنة تلجأ الدولة إلى تضمينها بنودًا مجحفة في حق هؤلاء. فالدولة لم تعد تعتبرهم سوى أعداداً زائدة، ومصاريف بلا فائدة، بدلاً من تقدير جهودهم المبذولة على مدى سنوات، والتي ساهمت في بناء الوطن.
فعلى سبيل المثال، كان صندوق التعاضد أهم الإنجازات التي حققتها رابطة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، حيث قدّم حماية صحية شبه كاملة للأساتذة وعائلاتهم. وخلال ربع قرن على بدء عمل الصندوق كان التضييق عليه يتمّ سنة بعد سنة، وتراجعت موازنته قياساً على أعداد المستفيدين المطّرد، وجرى قضم بعض المكتسبات، تحت شعار توحيد الصناديق، والتسعيرة، وصولاً الى موازنة تكاد تكون صفرًا.
وفيما يخص تعميم مصرف لبنان الذي يحمل الرقم 161، لم يستفد موظفو القطاع العام إلا بزيادة مئتي ألف ليرة على رواتبهم، وبعد انتظار دام لساعات أمام المصارف التي رفضت وضع “الفريش دولار” في أجهزة الصراف الآلي “ATM”.
استهداف المتقاعدين بالإجراءات الجديدة الواردة في الموازنة، يعني جعل عائلات بأكملها تعيش في وضع اقتصادي سيء يهدّد احتياجاتها الاساسية من طعام ودواء ومدارس.. وسيزيد من نسبة الفقراء في لبنان.
فهل قرّرت الدولة المضي قدمًا في خطوات التخلّص من أعباء المتقاعدين غير آبهة بأصواتهم الإنتخابية؟ وهل سيسكت المتقاعدون عن شطب مكتسباتهم وحقوقهم؟
تؤكّد المؤشرات أن المواجهة بين الحكومة وبين المتقاعدين، حتمية، خصوصاً مع إعلان “النفير العام” في صفوفهم، والذي جاء على شكل بيان تحذيري.
وقد أثارت هذه البنود غضب جميع مكونات المجلس التنسيقي لمتقاعدي القطاع العام، بما فيهم: المجلس الوطني لقدامى موظفي الدولة، منتدى السفراء، رابطة قدماء القوى المسلحة اللبنانية، رابطة قدامى أساتذة الجامعة اللبنانية، رابطة الأساتذة المتقاعدين في التعليم الثانوي الرسمي ورابطة المتقاعدين من التعليم الأساسي الرسمي في لبنان.
وصدر عن المجلس التنفيذي بيان تحذيري من ” تمرير هذه البنود”، متعهّدين “بأن يكون للمجلس التنسيقي الرّد المناسب، بعد دراسة بنود الموازنة بشكل معمّق”. كما حمّلوا مسؤولية تمرير الموازنة للنواب، ولوزير المالية “التابع لمصرف لبنان”، على حدّ قولهم.
وأعلن المتقاعدون في القطاع العام “رفضهم القاطع لكل المواد التي تنتقص من حقوقهم، وعدم مساواتهم بزملائهم في الخدمة، مثل المادة 135 إن لجهة التسمية (مساعدة اجتماعية)، أم لجهة المبالغ المخصّصة”.
واعتبر المتقاعدون في القطاع العام في بيانهم أن “ما تنوي الحكومة منحه للمتقاعدين، لا يعوض بأي شكل التراجع المريع في القدرة الشرائية لمعاشاتهم التقاعدية، ولا غلاء المعيشة التي ارتفعت نسبتها بالليرة اللبنانية أكثر من 300%، ولا نسبة ارتفاع الدولار 15 مرة عن السعر الأساسي، ما يؤدي إلى ارتفاع في أسعار المنتجات الأساسية المستوردة مثل الأدوية والمشتقات النفطية”، متعهدين “بأن يكون للمجلس التنسيقي الرد المناسب بعد دراسة بنود الموازنة بشكل معمّق”.
وأكد البيان أن الرد “سيتدرّج، وفق ظروف التجاوب مع ما سنقترحه من تعديلات جوهرية على البنود المذكورة”.
كما وزّع عدد من العسكريين المتقاعدين رسائل صوتية تدعو للتحرّك دفاعاً عن حقوقهم.
واعتبر حراك المتقاعدين العسكريين، أن مشروع قانون الموازنة للعام 2022، أنّ ثمّة مجزرة في حقوق المتقاعدين كافّة، وبخاصّة العسكريّين، إذ انّ المشروع الّذي قدّمه وزير المال يخفّض التّقديمات التقاعديّة للقطاع العام.
وأشار الحراك، إلى أنّ “المتقاعدين العسكريّين يؤكّدون وحدتهم، وسيعودون مجدّدًا للشارع إذا لم تتمّ إزالة هذه المجزرة إن في حقّ الخدمة الفعليّة أو المتقاعدين. زيادة الرّواتب يجب أن تكون في صلب الرّاتب والتعويضات، ومرفوض المساس بحقوق ورثة المتقاعدون”.
وشدّد على أنّ “المتقاعدين العسكريّين لن يسمحوا بإمرار هذا المشروع، وفي حال تمّ هدر حقوقهم بالنّسبة الّتي يستحقونها، فان يشاركوا بالتّصويت في أيّ انتخابات نيابيّة مقبلة”.