“عصفورة” وهاب تفضح التواطؤ في غش البنزين والمازوت؟

| زينة أرزوني |

من منّا، بعدما خبر إذلال الطوابير أمام محطات المحروقات لأشهر خلت، لم يصطف من بعدها في طوابير “الكاراجات” لتصليح الأعطال التي أصابت السيارات نتيجة البنزين المغشوش؟

من منا لم يتساءل، في سره أو على العلن، لماذا يتبخر البنزين بسرعة هائلة؟

تغريدات وتساؤلات عن البنزين المغشوش، والمازوت المغشوش الذي يحترق سريعاً ويضرب المولّدات، ولا أحد من المسؤولين يقدم إجابة شافية إلى هذا الشعب الذي اختبر كل أنواع الغش والسرقة، بدءاً من المواد الغذائية الفاسدة التي تغزو المحال التجارية والمطاعم والسوبرماركت، ولا يتم ضبط إلا العشرات منها، مروراً بالأدوية الفاسدة التي تغزو الصيدليات وآخرها كان قضية أدوية السرطان الفاسدة.

“عصفورة” الوزير السابق وئام وهاب التي أخبرته، بحسب تعبيره، أن غالبية المحروقات التي تدخل لبنان مغشوشة ولا تخضع لرقابة جدية، كانت تدور فوق رأس كل اللبنانيين بعدما صرفوا أموالاً طائلة على إصلاح الأعطال في محركات سياراتهم، ولكن هذه “العصفورة” لا يلتفت إليها أحد، وربما يتم اصطيادها بهدف لفلفة القضية، أو يتركونها تدور في حلقة مفرغة من الاتهامات التي تتقاذفها الشركات المستوردة للنفط ووزارة الطاقة وأصحاب المحطات، لتضيع بعدها “الطاسة” من دون الوصول الى الحقيقة.

الخطير في الأمر، وبحسب وهاب، أن الشركات المستوردة للمحروقات تختار الشركة التي تراقبها، والشركة بدورها ترسل عينة نظيفة جاهزة إلى المختبر، ولا تأخذ عينة من الباخرة، وسيارات الناس وحدها تدفع الثمن، ومولدات الكهرباء أيضاً.

غالبية أعطال السيارات، بحسب أصحاب “الكاراجات”، هي أعطال تعود أسبابها إلى عدم نظافة البنزين الذي يدخل إلى السيارات، وتحديداً الحديثة منها، لأن البنزين الذي يتم استيراده هو على الأغلب من فئة 80 أوكتان، أي من الأقل جودة وسعراً، وهذا يؤدي إلى أضرار كبيرة في “البخاخات”.

من يضبط عمل شركات المراقبة؟ ومن الذي يصنّفها؟ ومن يمنح الموافقة على تسجيل هذه الشركات في وزارة الطاقة؟

المديرة العامة السابقة لمنشآت النفط في وزارة الطاقة أورور فغالي، كانت قد أكدت خلال جلسة لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، أنّ هناك محطات تخلط البنزين بمواد ثانية بأقل سعر، والبنزين يصل بشكل صحيح ولكن على الأراضي اللبنانية يتم التلاعب به، وأن وزارة الطاقة مستعدة لفحص عينات في المختبرات للتأكد من النوعية.
ولكن من يضمن وصول العينات الصحيحة المأخوذة من البواخر الى المختبرات؟

مقابل هذا الاتهام، يؤكد أصحاب المحطات أنهم لا يستطيعون التلاعب بمادة البنزين بعد تعبئتها في خزانات المحطة، وأنهم يبيعون المادة التي يشترونها من الشركات المستوردة مباشرة.

أما تجمّع الشركات المستوردة للنفط (APIC)، فيؤكّد أن مادّة البنزين المستوردة إلى لبنان من قبل الشركات، تحترم أعلى معايير الجودة العالمية واللبنانيّة على حدّ سواء، وأنها تخضع لفحوصات مخبرية في بلد المنشأ من شركة رقابة مستقلّة، مثل Bureau Veritas على سبيل المثال، للتأكّد من مطابقتها للمواصفات العالميّة، ولا يمكن أن تدخل لبنان إن لم تكن حائزة على شهادة تصديق تبرهن مطابقتها للمواصفات والمعايير اللبنانية، وأن وزارة الطاقة والمياه تقوم دوريّاً باستخراج عيّنات من البنزين من المستودعات النفطية التابعة للشركات المستوردة لفحصها.

هي إذن بالفعل دوامة تقاذف المسؤوليات والاتهامات، وما من أحد يمكن أن يكشف الثاني، إلا في حالة واحدة عندما تقف المصالح التي تجمع بينهم، عندها ستبرز الى العلن الوثائق والتي تكشف الشركات بالأسماء وأسماء أصحابها التي كانت تدس “السم الاخضر” في محركات سيارات اللبنانيين، وعندها سنكتشف حقيقة الهمس المتداول عن دفع مليون دولار لأشخاص مجهولين مقابل تسجيل شركة مراقبة بغض النظر عن كفاءتها وخبرتها وطبيعة عملها.

لكن، أين هو القضاء الذي عليه أن يتحرّك استناداً إلى اتهام وئام وهاب الذي يعتبر إخباراً علنياً؟

وأين هي وزارة الاقتصاد التي تغيب عن لعب دورها في هذا الموضوع، طوعاً أو بالإبعاد، فتترك لهؤلاء الفاسدين أن يسرحوا ويمرحوا ويزيدوا من أموالهم الحرام بممارسة الفساد الفاجر؟

وأين هي مصلحة حماية المستهلك من حماية الناس ومصالحهم وسياراتهم ومنع سرقتهم؟

هنا، يفترض أن تقوم النقابات، خصوصاً نقابات السائقين العموميين، للتصدي لهذا الفجور والغش، والتحرك ميدانياً للضغط على وزارات العدل والطاقة والاقتصاد، أن يقوموا بورهم في حماية البلد والناس وقمع التحايل والغش… إلا إذا كان هناك تواطؤ لحماية الفاسدين!