| علاء حسن |
من المستغرب كيف تستمر الاشتباكات في مخيم عين الحلوة جنوبي صيدا طوال هذه المدة، وكيف لم تستطع جميع القوى السياسية المؤثرة، في البلد والإقليم/ من إنهاء حفلة الجنون رغم مرور كل هذه الأيام.
إذا كانت الجولة الأولى، منذ ما يقارب الشهر والنصف، أتت لإيصال رسالة إسرائيلية سلطوية إلى قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، تحت عنوان “هدوء الضفة مقابل هدوء باقي الساحات”، فما الذي يدعو إلى تجديد الاشتباكات، وبالصورة التي نشهدها اليوم؟!
في الواقع، إن تحليلات كثيرة قُدّمت في هذا السياق، وإن كان البعض منها يعتريه النقص أو تعمد إخفاء نوايا مبيتة، فإن الثابتة الوحيدة في هذه المعركة هو ضيق المساحة الجغرافية، واتساع رقعة المتخاصمين، وهي بذلك صراع بين “حدودين”: حد جغرافي لا يتجاوز الأحياء الصغيرة في المخيم، وحد سياسي قد يصل إلى شكل المنطقة المستقبلي.
أما بخصوص الحدود الجغرافية، فليس هناك ما يتم الحديث عنه حول خطوط التماس الواقعة بين قوات حركة “فتح” وبين المجاميع المسلحة “الإسلامية” الأخرى، لكون المخيم برمته لا يتجاوز الكيلومتر المربع الواحد، والذي يعد ـ بحسب بعض الدراسات ـ البقعة الأكثر كثافة على وجه الأرض من الناحية السكانية.
لكن سياسياً، فالاشتباكات في حدودها الدنيا هي “حلاوة روح” بالنسبة للأجنحة “الفتحاوية” الموالية للسلطة الفلسطينية في رام الله، والتي بدأت بمسار لا يمكنها التراجع عنه، لأن أي تراجع في الوقت الراهن، سيعني بالضرورة انتهاء وقوف “فتح” على رأس قمة الحركات المؤثرة في الشتات، وهو ما يعني أيضاً انتهاء دورها الريادي في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا ما يفسر ضراوة الاشتباكات من حيث الأسلحة المستخدمة، والتي لم تعد تقتصر على الأسلحة الفردية الخفيفة، وعلى استمرار تدفق السلاح إلى داخل المخيم بتواطؤ واضح من قبل أطراف عديدة.
وأما في حدودها العليا، فهي صراع بين نهجين: الأول تطبيعي مع العدو. والثاني، وإن لم يطاله الرصاص ولا القذائف بشكل مباشر، فهو النهج المقاوم، والذي يحاول منفذو أجندة الاشتباكات، ابتزاز الفصائل المقاوِمة، الفلسطينية واللبنانية، من أجل تخفيف الضغط عن العدو في الضفة الغربية وفي ساحات أخرى للطرف الأميركي تواجد مباشر فيها.
وبين هذين الحدّين تأتي مسائل رئاسة الجمهورية اللبنانية وحقول الغاز وملف اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ليكونوا جميعاً أوراقاً للمساومة توضع على طاولة المفاوضات من قبل خلية الأزمة الأميركية.
إلى ذلك، يشير مختصون في العلوم العسكرية إلى أن استخدام الأسلحة غير الخفيفة، ما كان ليكون لولا استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين من خارج عين الحلوة إلى داخله، الأمر الذي يمكن وضعه في سياق رسائل قطع الطرق التي كان “حزب الله” هو المستهدف الأول فيها منذ العام 2019 ولغاية الآن.
وبصرف النظر عن المدى الزمني الذي قد تستمر فيه الاشتباكات، ولو توقفت لبعض الوقت ضمن اتفاقات هشة لن تصمد طويلاً، لكن يبقى سؤال محوري في هذا الخصوص، وهو هل ستتنقل عدوى الاشتباكات إلى مخيمات أخرى؟ وهل لأحد القدرة على خلق “نهر بارد ثانٍ”؟
الأيام المقبلة كفيلة بالرد على هذا السؤال.