ما هي خلفيات التّصويب على المطار؟

/فاطمة ضاهر/

في خضِم الأزمات التي يعيشها لبنان، عاد مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت الى الواجهة من جديد من البوابة الأمنية، بعد انتشار أخبار مصدرها وسائل إعلام محلية تتحدث عن تعرض طائرتين مدنيتين أثناء هبوطهما في مدرج المطار الى إطلاق نار.

وعلى الرغم من نفي وزير الأشغال علي حمية هذه الأخبار، وتوضيحه أن “ما حصل في المطار هو اكتشاف ثقب في هيكل طائرة لشركة طيران يونانية قبل اقلاعها من بيروت”، وتأكيد تقارير التحقيقات ومن ضمنها إدارة المطار ومديرية “الطيران المدني” بأن عجلة الطائرة القطرية وخلال عبورها داست على قطع كانت موضوعة على جانب الطريق، إلاّ أن هذه الوسائل لم تنفك عن نشر مثل هذه الأخبار، ما يدعو للتساؤل عن أسباب الإصرار على بثّ هذا المناخ السلبي عن أهم مرفق حيوي في لبنان بعد مرفأ بيروت الذي تعرض لانفجار أدى لتعطيل جزء كبير من حركته التجارية والاقتصادية.

وتجدر الإشارة الى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعلن، وفور حصوله على التقرير الفني الكامل الذي يُثّبت بالعلم، أن ما أصاب الطائرة ليس رصاصة لا من قريب ولا من بعيد، بل هو جسم كبير وثقيل ومتحرك ادى إلى ثقب في الطائرة اليونانية تحت قمرة القيادة. وقال ميقاتي إن “ادارة الطائرة اليونانية كانت قد أبلغت مدير عام الطيران المدني قبل عشرة أيام انها ستوقف رحلاتها الى لبنان في شهري كانون الثاني وشباط، وارسلت الى للمديرية العامة للطيران المدني بأنها ستوقف رحلتها لان هناك ضررًا جسيما حصل للطائرة ولم تقل بأنها رصاصة”.

ففي أي اطار توضع هذه الحملة؟ هل هي عرضية بهدف السبق الصحفي والإعلامي والتنافس على حصرية الخبر بين وسائل الاعلام؟ أم تحمل في طياتها خلفيات ومرامي سياسية واقتصادية؟

لا سيما وأنها ليست المرة الأولى الذي يتعرض المطار لحملة التصويب الإعلامية، فسبق وبُثّت الكثير من الأخبار المشككة بوضع المطار الأمني والصحي ووصفه بأنه مصدر لتهديد أمن الدول العربية والخليجية ومرتعاً لتهريب “الكابتاغون” والمخدرات والأموال والمطلوبين بجرائم إرهابية، حتى وصل الأمر للحديث عن اختفاء حقائب من المطار وإطفاء الإنارة وعمليات اعتداء وسرقة، وكان يجري ربط كل هذه المخاطر والحوادث بـ”حزب الله” كونه الحاضر جغرافياً وأمنياً و”بشرياً” في محيط المطار، بحسب قولهم. علماً أن معظم مطارات العالم تشهد حوادث أمنية مختلفة ومماثلة، فلماذا تسليط الضوء على مطار بيروت؟

هل تأتي هذه الحملة في اطار تشديد الحصار على “حزب الله”، وتصعيد الضغط السياسي عليه، وإلصاق تبعات الأخطاء التي ترتكب في المطار به، في سياق تحميل الحزب مسؤولية كل الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في البلد، من ارتفاع سعر صرف الدولار والحصار والعقوبات على لبنان وتدمير المرفأ وشلل المؤسسات، لا سيما مجلس الوزراء، وتهديد السلطة القضائية وعرقلة عملها، وعرقلة التحقيقات في تفجير المرفأ، وتقويض الدولة، وتهديد علاقات لبنان بالدول العربية والخليجية.. فهل جرى استغلال حادثة تقنية بسيطة في المطار، وتم تضخيمها وتحريفها للتصويب على “حزب الله”؟

لا يمكن تغييب العامل الاقتصادي الكامن خلف هذه الحملة الإعلامية على مطار بيروت، والتي تترافق مع “صراع المرافق” في المنطقة، أكان المطارات أم المرافئ، لا سيما بين مرافق بيروت و”حيفا” و”الخليج”، مع لحظ أن الحملة جاءت عقب أسبوعين على حركة الوافدين الكبيرة التي شهدها المطار، حيث زادت حركة الوصول إليه بحسب وزير الاشغال أكثر من٧٠ ٪ عن العام الماضي.

من الجهة التي لها مصلحة بتشويه سمعة المطار دولياً، وبث الذعر لدى الوافدين الى لبنان، وبالتالي ضرب السياحة وسد آخر منفذ لدخول الدولار الفريش الاغترابي والسياحي الى لبنان، بعدما طال الحصار المالي والعقوبات، كل المنافذ الحيوية، حتى المنفذ البري الذي يربط لبنان بسوريا، بسبب قانون “قيصر” الأميركي؟

وبناء عليه فقد يكون لـ”إسرائيل” دور في هذه الحملة، بحسب خبراء في الاعلام والحرب النفسية والاقتصادية، لأن لها الباع الطويل بصناعة هذه الحملات لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. مذكرين بالادعاءات التي روجها الاعلام الإسرائيلي منذ يومين عن موافقة الولايات المتحدة الأميركية على اتفاقية نقل الغاز الإسرائيلي الى لبنان عبر مصر والأردن وسوريا، وذلك بهدف التشويش على الاتفاقية والعمل على نسفها، في اطار إبقاء لبنان في دائرة الحصار الاقتصادي والمالي ليتخبط بأزماته.

بمعزل عن صحة أي من الأهداف أعلاه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تملك وسائل الاعلام الحق والجرأة لبث أخبار مغلوطة كهذه/ تؤثر على أمن المطار وسمعته الدولية وتلحق بلبنان أضراراً اقتصادية جمّة، قبل التحقق من صحة الأخبار من مصدرها الأساسي؟ ولماذا لا تتم محاسبة مروجي هذه المعلومات والأخبار، أكانوا في لبنان أم الخارج؟ وأين دور الأجهزة القضائية والأمنية ووزارة الاعلام في لجم وضبط هذا التفلّت الذي “ينهش” مرافق الدولة، لا سيما مطار بيروت الذي يمثل الواجهة الحضارية والمنفذ السياحي والاقتصادي للبنان، ويهدد الامن والاستقرار في البلد؟