اتركوا “خط الرجعة” مفتوحاً!

| غاصب المختار |

فجأة “بلع” كل أركان قوى المعارضة مواقفهم المشيدة بالجيش والداعمة له، بعد حادثة بلدة الكحالة، وذهبوا نحو خطاب عالي النبرة بحق الجيش وقائده، وليس بحق “حزب الله” فقط، لدرجة أن بعضهم اعتبر أن الجيش “بيشتغل عند الحزب”، متجاوزين “كم قطوع” انتشل الجيش البلد من الوقوع في حبائله، بدءاً من أحداث الطيونة التي سقط فيها سبعة ضحايا من مناصري المقاومة بالرصاص، مروراً بحادثة القرنة السوداء التي ثبت فيها وجود مسلحين تابعين لأحد أحزاب قوى المعارضة، وصولاً إلى حادث الكحالة، وبينهم أحداث صغيرة كان يمكن أن تكبر وتؤدي إلى مزيد من الأزمات الأمنية والانقسامات بين أبناء الشعب الواحد والمنطقة الواحدة، كما حصل في خلدة وغيرها.

والأخطر أن التحريض السياسي والأمني والاجتماعي على مواقع التواصل “غير الاجتماعي”، وعلى شاشات التلفزة، أدى إلى حالة هيجان لدى بعض الرؤوس الحامية من الناس العاديين، نتيجة التعبئة غير المسبوقة ضد “الآخر” ابن البلد، “الذي يُعلّم أولاده في مدارسنا، ويأكل في مطاعمنا، ويسكن في مناطقنا هرباً من الفوضى والجَيّة في مناطقه”. عدا الكلام عن أن “المسيحيين مستهدفون، وثمة من يريد كسر صليبهم”… إلى عبارات أخرى تشير بوضوح “مثل عين الشمس، إلى أن ثمة “أوركسترا” سياسية وإعلامية تعمل على شحن النفوس بالكراهية والبغضاء، وصولاً الى العبارة الشهيرة “لكم جمهوريتكم ولنا جمهوريتنا. لكم لبنانكم ولنا لبناننا”، عدا المطالبة العلنية بتطبيق الكونفدرالية في لبنان من باب اللامركزية الموسعة الادارية و”المالية”،

ورفض الحوار مع الأطراف الأخرى لإخراج البلد من أزماته عبر الشراكة الوطنية في إدارة الحل، كما حصلت الشراكة سابقاً بين كل الأطياف السياسية في مراحل كثيرة وساهمت في إيصال البلد إلى هذه الازمات نتيجة الأداء السيء في الحكومات المتعاقبة.
هذا الخطاب المستعر ليس عفوياً ولا مرحلياً، إنه نتيجة سنوات من التحريض المجتمعي، والتعبئة السياسية، وإثارة الغرائز والمخاوف الطائفية والمناطقية، فيقع الجمهور بسهولة في شباكها من دون معرفة الهدف السياسي من خلفها، والذي يمكن اختصاره بأنه من ضمن “سلاح المعركة ضد المقاومة لنزع أي غطاء مسيحي ووطني عنها، وتصويرها كأنها الوحش الذي يريد ان يفترس البلد بمن فيه من مسيحيين”!

لكن، لحسن الحظ، تصدر أصوات العقلاء من هنا وهناك لكبح هذا الجو التحريضي، والدعوة إلى تحكيم العقل، وآخره كلام المطران عبد الساتر من الكحالة، في تشييع فادي بجاني، لأن الكلام التحريضي، السياسي والطائفي، شجّع على القتل، وأضرّ بمرتكبه وبجمهوره، كما أضر بالطرف الآخر. وثمة من كان يقول، في عزّ الازمات السابقة، لكل السياسيين: “اتركوا خط الرجعة مفتوحاً، فلا بد أن يصل يوم تعودون فيه للجلوس سوياً إلى طاولة واحدة للتوافق على حماية مصالحكم، وعلى كيفية إدارة البلد وتوزيع الحصص والمغانم فيه. فكيف ستبررون لجمهوركم لاحقاً الجلوس مع الخصم، والاتفاق على كل الأمور، بعد كل هذا التحريض وشحن النفوس؟ وكيف سيثق بكم جمهوركم بعدما تبيعون دم ضحاياكم في أسواق السياسة الرخيصة؟”.