/ فاطمة جمعة /
لا ينكفئ مسلسل الفضائح والأفلام عن أسواق الخضار والفاكهة في لبنان، حيث تمارس المافيات عملية “سلب” منظّمة بحق صغار بائعي الخضار وأصحاب المحلات والباعة المتجولين.
شكّلت تقلبات سعر صرف الدولار صيداً ثميناً لهذه المافيات، للتلاعب بأسعار الخضار ورفعها بقفزات هستيرية تلبيةً لمصالح شخصية، على غرار قفزة أسعار الخيار قبل عام، وأسعار البصل منذ فترة.
مع استقرار سعر صرف الدولار في الوقت الراهن، لم تجد المافيا “شمّاعة” جديدة، فاستهدفت صناديق تعبئة الخضار هذه المرة، بدلاً من الخضار!
قبل الأزمة الحالية كان كان سعر 4 صناديق ألف ليرة، ومن ثم الصندوق بألف. اليوم، وصل سعر الصندوق إلى 65 ألف ليرة. ومعلوم أنه عندما يفرغ من الخضار، يجمع صاحب المحل صناديقه الفارغة ويبيعها لصالح “البُوَر”، وذلك بسعر 45 ألفاً، أما الـ 20 ألف المتبقية، فلا يعتبرها البائع خسارة فادحة، إنما يدخلها ضمن كلفة الإنتاج.
من دون سبب ومقدمات، قرّر أصحاب “البُوَر” وتجار “الحسبة” في بيروت، تخفيض سعر الصندوق لدى بيعه لـ”البور” إلى 20 ألف ليرة، بذريعة انخفاض أسعار البلاستيك، مع إبقائه 65 ألفاً عند شرائه من السوق، مما يعني تكبّد البائعين، وغالبيتهم الساحقة من الطبقة الفقيرة، خسارة تقارب 45 ألفاً بكل صندوق. ولأن حمولة الصباح من التبضع في السوق لا تقل عن 10 صناديق، تصل الخسارة إلى 450 ألفاً في اليوم، وقرابة 11 مليون ليرة في الشهر، هذا من دون احتساب وزن وسعر الحبات الفاسدة والمهدورة أثناء الشحن وما هنالك.
هذا الاتفاق بين السوق و”البور”، دفع البائعين، خصوصاً الذين يتبضعون يومياً لمحلاتهم، إلى الاستنكار والغضب من مسلسل السرقات “على عينك يا تاجر”، وهم إذ ناشدوا المعنيين من وزارات الزراعة والاقتصاد والصناعة، لتحديد سعر عادل للصندوق وملزم للجميع، حمّلوا مسؤولية هذه السرقة لنقابتي تجار الخضار والفاكهة ومستوردي الخضار والفاكهة، وتواطؤ بعض الجهات التي تدخل في مافيا هذا القطاع.
تفتح قضية سعر صناديق الخضار، الباب واسعاً لتسليط الضوء على الأوضاع المزرية في “حسبة” بيروت، والعديد من الهواجس التي يواجهها البائعون. حافلات نقل النفايات التي ترمي ما تجمعه في نطاق بلدية الغبيري، داخل سوق المدينة الرياضية، وسط كرّ وفرّ وملاحقة من إدارة البلدية، لكن الرائحة الكريهة نفسها لا تزال تفوح من المنطقة.
أيضاً، الفيضانات خلال فصل الشتاء تفضح التجهيزات المعدومة والأسقف المفقودة والخيم الطائرة، حيث أن لا حذاء يسعف البائع من “السباحة” و”الطوفان” مع خضاره. ومن الناحية الاجتماعية، فإن البائعين هم الواجهة أمام الناس، ويتعرضون للضغوط، ويتحملون تذمّر المستهلكين، على اعتبار أنهم من يحددون الأسعار، وليسوا فئة فقيرة من الناس تتكبد عناء “عتالة” الصناديق من السوق إلى أمام منازلهم من أجل ربح 10 آلاف ليرة في كل كيلو من الخضار والفاكهة!