هل تنعقد طاولة الحوار في بعبدا بمن حضر؟

/محمد حمية/

تأتي دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الحوار الوطني، في لحظة يدخل العهد الرئاسي الحالي في مرحلة احتضار في الأشهر الأخيرة من عمره، وفي توقيت قاتل للبلد الذي يعيش أسوأ المراحل في تاريخه.

فالرئيس عون، الذي أقر بفشله في تحقيق برنامجه الإصلاحي والتغييري “بسبب ممانعة الطبقة السياسية الحاكمة”، على حد تعبيره، أيقن بأن أجل العهد قد دنا، فأراد أن يحفُر في سجله برئاسة الجمهورية إنجازًا وطنيًا قد يعوض عليه ما فاته في سنين خلت، لكن الرياح السياسية الداخلية والعاصفة الخارجية، قد لا تجري كما تشتهي سفن “الجنرال”، فقلّما يستطيع رئيس في نهاية ولايته تغيير الواقع، حيث درجت العادة أن يفتح الخصوم السياسيون النار على العهد في السنة الأخيرة من ولايته.

إلا أن رئيس الجمهورية يريد دفع كرة النار عن مرماه ويضعها في شباك جميع الشركاء، الحلفاء منهم والخصوم، لذلك أطلق في ذكرى السنة الخامسة من ولايته مبادرة تتضمن دعوة لحوار وطني إلى مختلف الأطراف، لكن إشكالات عدة تواجه عقد هذا الحوار.. فمن سيشارك فيه؟ وما هي العناوين؟ وهل ستبقى الدعوة للحوار قائمة في حال اعتذار قوى رئيسية؟ وما نسبة نجاحه في ظل الانقسام القائم قبل أشهر قليلة من الانتخابات النيابية؟ علمًا أن تجربة طاولات الحوار غير مشجعة لجهة التوصل الى حلول للأزمات.

أول المرحبين بمبادرة عون كانت كتلة “لبنان القوي”، وكذلك حزب الله الذي يؤيد بشكلٍ دائم أي دعوة للحوار بين اللبنانيين تؤدي إلى تخفيف الاحتقان ومعالجة الأزمات.

أما الرئيس نبيه بري، فكونه رئيساً للمجلس النيابي ولأن عين التينة، كانت ولا تزال، ساحة مفتوحة للحوار الجماعي والثنائي والثلاثي، انطلاقًا من شخصية بري الحوارية الجامعة، والخبيرة بتدوير الزوايا واجتراح الحلول الوسطية للمعضلات، فلا يستطيع مقاطعة حوار وطني، بمعزل عن الجهة الداعية، ولذلك سارع إلى تأييد الحوار وربطه بالنتائج، وبألا يكون للحوار فقط. إلا أن المتلمّسين لما يجول في خاطر “الأستاذ” ينقلون بأنه غير متحمس لحوار يقوده عون في آخر عهده، وهو الذي ينتظر نهاية العهد على أحرّ من الجمر. وما زاد الطين بلّة هو السجال المندلع على جبهة بعبدا – عين التينة، والذي بلغ ذروته الأسبوع الماضي حول مرسوم فتح العقد الاستثنائي لمجلس النواب وانعقاد مجلس الوزراء وملفات أخرى لا تقل أهمية.

وتقول مصادر الثنائي الشيعي لـ”الجريدة” إن حزب الله وإن نجح باحتواء عاصفة السجال على جبهة الحليف وحليف الحليف، لكنه لن يستطع ضخ الوئام والسلام في عروق العلاقة بينهما حتى نهاية العهد، نظراً لتضارب المصالح والحسابات، لا سيما وأن بري الذي لم “يبلع” عون منذ بداية عهده، لن يُسعِفه في نهايته!

رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ لا يُخفي خشيته من أن تتحول طاولة الحوار إلى بديل عن مجلس الوزراء، فتوجه إلى بعبدا وأودع موقفه لدى الرئاسة الأولى كما أعلن أن للحديث تتمة، لكنه يفضل حل الأزمة الحكومية قبل انطلاق الحوار.

رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لن يفك اعتكافه السياسي في الامارات كرمى لعيون “الجنرال”، فسارع للاتصال برئيس الجمهورية وأبلغه اعتذاره عن عدم المشاركة لاعتباره أن “أي حوار على هذا المستوى يجب ان يحصل بعد الانتخابات النيابية”.

أما الحزب التقدمي الاشتراكي فلم يحسم موقفه حتى الساعة، لكن مصادره رجحت لـ”الجريدة” حضور رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط كون الحزب لا يرفض أي دعوة للحوار من أي جهة أتت، لكن بالتوازي مع أولوية انعقاد مجلس الوزراء.

“القوات اللبنانية”، الخصم الألد للعهد، تنتظر بفارغ الصبر انتهاء ولاية عون، من الطبيعي أن تعلن رفضها للحوار من دون عناء التفكير، لكي لا تعطي عون “credit” لتعويم العهد والذي يصب في مصلحة باسيل، منافس جعجع في السباق الى بعبدا، وهذا ما يؤكده مسؤول التواصل والاعلام في “القوات” شارل جبور لـ”الجريدة” بأن “القوات لن تشارك في طاولة الحوار كونها أتت قبل الانتخابات النيابية، فيما السلطة الجديدة المنبثقة عن المجلس الجديد هي المخولة إدارة حوار وطني على مختلف القضايا المصيرية”. أما حزب الكتائب فلا يختلف موقفه عن موقف “القوات” لجهة رفض الحوار واليأس من العهد فكيف بالحوار معه؟!

أما كتل تيار المردة والحزب الديموقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي فالمؤكد أن تحضر الحوار. لكن مصادر مقربة من بعبدا ترجح لـ”الجريدة” حضور أغلبية الكتل النيابية، وفي نهاية المشاورات مع رؤساء الكتل، سيدرس عون النتائج ويقرر بناء على الشيء مقتضاه.

وفق المعلومات، فإن عون سيمضي بالحوار بمن حضر، رغم أن مقاطعة كتل وازنة سيعتبر نكسة إضافية له.

أما عناوين الحوار فحصرها عون بثلاثة: اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، الاستراتيجية الدفاعية، خطة التعافي المالي والاقتصادي.

المطّلعون على الوضع الداخلي والإقليمي، لا يعولون على أي حوار وطني، فالقضايا الخلافية الموروثة من الصعب التوافق على حلها في خضم المواجهة السياسية في لبنان والاشتباك الإقليمي، وقبيل بضعة أشهر من الانتخابات النيابية، سيما وأن جدول أعمال الحوار يتضمن عناوين خلافية داخلية بأبعاد خارجية ومرتبطة بمصير المنطقة وموازين القوى فيها، كالاستراتيجية الدفاعية وسلاح المقاومة، وأُثقِل جدول الحوار بقضايا لها علاقة بالنظام السياسي محل الخلاف الداخلي المستحكم، كـ”اللامركزية”، فضلًا عن الملفات الاقتصادية والمالية الشائكة، ما يجعل الحوار ملهاة وتقطيع وقت لتأجيل الانفجار السياسي والاجتماعي والأمني حتى الانتخابات النيابية، وربما الى نهاية العهد، أملًا بمفاجآت إقليمية دولية تولّد انفراجات في لبنان.