/ جورج علم /
يشكّل رياض سلامة، عنوان المرحلة، وهذه بدورها مفتوحة على مسارين:
- إما الضغط على القوى السياسيّة، خصوصاً تلك المتورطة بالفساد، للإسراع في إنهاء الفراغ.
- أو استكمال تنفيذ مسلسل العقوبات، وفقاً لخريطة طريق مرسومة، حدودها كلام مساعدة وزير الخارجيّة الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف: “لبنان مفتوح أمام كل السيناريوهات، بما فيها تفكّك كامل للدولة. وسيضطر اللبنانيّون على الأرجح إلى تحمّل المزيد من الألم قبل تشكيل حكومة جديدة. وقد تفقد قوى الأمن والجيش السيطرة، وتكون هناك هجرة جماعيّة. هناك العديد من السيناريوهات الكارثيّة. وفي الوقت عينه أتخيّل أن البرلمانيّين أنفسهم سيحزمون حقائبهم ويسافرون الى أوروبا حيث ممتلكاتهم”.
لم يتوقف مسار الإنزلاق منذ بداية الشغور الرئاسي. ولم يبدأ مسلسل العقوبات مع رياض سلامة، كانت البدايات مع وجوه سياسيّة معروفة، لكن النكهة هذه المرّة مختلفة مع رياض، وقد تطال رؤوساً يقال بأنها أينعت، وحان زمن قطافها في موسم القحط والفراغ.
ويبدو أن التوقيت مهّم. لقد صدرت مذكّرة التوقيف، بُعيد عودة البعثة القضائيّة الفرنسيّة برئاسة أود بوريزي إلى باريس، إثر مهمّة أنجزتها في قصر العدل. كما صدرت عقب ارتفاع منسوب الامتعاض في بيئة بعض الأحزاب والتيارات المسيحيّة ضد مقاربة قصر الإليزيه للاستحقاق الرئاسي، وإصرار باريس على التنسيق مع القوى المؤثّرة لإنتخاب مرشّح الثنائي الشيعي.
ويرفض الفرنسيّون ربط المذكّرة بخلفيات سياسيّة، حجتهم أن القضاء الفرنسي هو حصانة النظام، وضمان المؤسسات. وعندما يحكم القاضي على رئيس الجمهوريّة الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن ثلاث سنوات، فهذا يؤكّد على مدى الإستقلاليّة، والشفافية.
ويقرّون بالمقابل، بأن سلامة ليس فرداً، بل واحداً ضمن مجموعة الفساد، وفاعلاً محترفاً في ورشة الانهيار. وكانت الإدارة الأميركيّة، بالتنسيق والتعاون مع الإتحاد الأوروبي، قد وضعت سيناريو العقوبات منذ انتفاضة 17 تشرين، ولوّحت بها بعد مرور عام على جريمة تفجير مرفأ بيروت… فهل آن أوان التنفيذ؟
قبل توجهه إلى جدّة، عرّج الرئيس نجيب ميقاتي على عين التينة، واجتمع إلى الرئيس نبيه برّي بحجّة تنسيق الموقف اللبناني الرسمي من المواضيع المدرجة على جدول أعمال القمة العربيّة، لكن دسم التشاور كان محصوراً بجديد رياض سلامة، وكيفيّة التعاطي مع القرار الفرنسي ـ الدولي القاضي باعتقاله.
وكانت دوافع القلق في محيط الرئيسين متنوعة، منها:
إن ملف العقوبات قد أصبح في عهدة موازين القوى الدوليّة والإقليميّة.
إن القضاء اللبناني لم يعد المرجع الصالح لحماية كبار المرتكبين، وحاشياتهم، بعدما أصبح تحت مجهر القضاء الدولي.
إن رياض سلامة، إذا ما حوصر، قد يبوح بكل ما يملك من معلومات، ويفضح مقامات، ومرجعيات. وسبق له أن دعا القضاء إلى البدء باستجواب السياسيين، وإذا ما تمّ فتح خزنته على مصراعيها، يخشى من زلزال مدمّر يغيّر من طبيعة الأشياء، ويضع لبنان أمام مشهد جديد مختلف.
ودوافع القلق في محيط الرئيسين، والآخرين، نابعة من أن الخماسي الدولي الذي اجتمع يوماً في باريس، لم يعد له من أثر، حافظ على الهوية فقط، بعدما فرّقه تضارب المصالح.
الولايات المتحدة، لها أولويات في لبنان، ربما تتقدم على الاستحقاق، بينها: حقول الغاز، والنفط، وكيفيّة وضع اليد. والسعي إلى تطوير إتفاق ترسيم الحدود البحريّة، ليكون لـ”الصندوق الإبراهيمي” نافذة على المتوسّط. وإنهاء ظاهرة السلاح الميليشيوي من خلال تنفيذ بنود القرارات الدولية الخاصة بلبنان. وتوفير الحلول السياسيّة المؤاتية لمعالجة ملف النزوح بعيدا عن المزايدات.
وتريد فرنسا بدورها أن يكون لبنان حديقة خلفيّة لمصالحها، ونقطة انطلاق نحو دول المنطقة. كان لها مبادرة تجاه الإستحقاق الرئاسي، لا تزال عالقة بين مدّ وجزر.
مصر والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر، من فريق الدول المهتمة، لكن ليس لها مقاربة واحدة واضحة تجاه الإستحقاق الرئاسي.
وعندما اجتمع اللقاء الخماسي في باريس، لم يكن الاتفاق السعودي ـ الإيراني قد أبصر النور. اليوم هناك اتفاق، وبدأ البنيان عليه بين الدولتين، ولم يعرف ما إذا كان بالإمكان أن يتحوّل “الخماسي” إلى “سداسي” بانضمام إيران، ليصبح أكثر فعالية في مقاربة الواقع اللبناني. إلاّ أن المؤشّرات، على ما يبدو، في غاية السلبيّة. الخماسي ضائع. السداسي غير ممكن، وغير مقبول أميركيّا. الإتفاق السعودي ـ الإيراني لا يزال في مرحلة اختبار النوايا. فيما السعوديّة وقطر ليستا على موجة واحدة من الإستحقاق الرئاسي، وهذا ما يزيد المشهد ضبابية وغموضاً.
والطامة الكبرى أن الدول المهتمّة تملك إفادة حسن سلوك لغالبيّة الطبقة السياسيّة، طافحة بالكذب، والخداع، والمراوغة.
الضابطة الأميركيّة تملك قائمة من أصحاب الألقاب، تتهمهم بالتحايل في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. الضابطة الفرنسيّة تحتفظ بقائمة أسماء من تحلقوا يوماً حول الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر، وكذبوا في وضع المبادرة التي عرضها عليهم موضع التنفيذ. صندوق النقد الدولي يتهمهم بالكذب والتحايل، وعدوه قبل نيف وعام بتحقيق إصلاحات تمّ التوافق حولها، وبقيت حتى الساعة حبراً على ورق. المؤسسات الرقابيّة الدوليّة تتهمهم بالمراوغة بعدما نجحوا في تعطيل التحقيقات المتصلة بهدر المال العام، والإثراء غير المشروع، والفجوات المالية في مصرف لبنان، والقطاع المصرفي، ومؤسسات الدولة.
ومن كوة مشهد خارجي مربك، وداخليّ مأزوم، يطلّ ملف رياض سلامة ليتحوّل إلى عنوان مرحلة مفتوحة على مسارين: إما إستخدام العقوبات كسلاح للضغط على مجلس النواب للإسراع بإنتخاب رئيس. أو إستخدام هذا السلاح لإطالة أمد الفراغ، ومعالجة ملفات ساخنة، وفرض واقع سياسي ـ ديموغرافي جديد على مساحة ال 10452 كيلومترا مربعا!
(*) الآراء الواردة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن سياسة موقع “الجريدة”