/ خلود شحادة /
“حرية ـ سيادة ـ استقلال”.. “سيد ـ حر ـ مستقل”… عبارات وشعارات “رنانة” تتبناها الأحزاب اللبنانية، ويتغنى بها المسؤولون في السلطة، وتتحوّل إلى أغاني شعبية ولافتات للمعارك السياسية، الافتراضية منها والحقيقية.
كلهم من دون استثناء، يتحدثون عن أهمية استقلالية الوطن وسيادته، وكل فريق يتهم الآخر بالخضوع لهذه الدولة وتلك.
في الواقع، ليس هناك طرف سياسي يستطيع “التغني” بالسيادة، حتى وإن كان لا يتبع بشكل مباشر لطرف خارجي، إلا أنه خاضع لا محالة لسلطة “الخارج”.
عند كل استحقاق مصيري، ومنها الانتخابات الرئاسية المفترضة كل ست سنوات، أو الانتخابات النيابية التي يفترض أن تحصل كل أربع سنوات، يصبح الأمر فاقعاً بشكل يبعث على الصدمة! إلى هذا الحد لبنان في حالة التبعية العمياء؟!
فرنسا تريد سليمان فرنجية. السعودية “حردانة” ولا تريد التسمية. أميركا وقطر يريدان قائد الجيش، وإيران لا تحبّذه.
وبين ما يريده هذا الفريق أو ذاك، صمت داخلي بانتظار القرار الخارجي لانتخاب رئيس سيُقسم بالله العظيم أن يحافظ على استقلال لبنان ووحدة أراضيه!
المشكلة الأكبر، أن التبعية للخارج لا تقتصر على الساسة اللبنانيين، بل انها تنسحب على اللبنانيين أيضاً!
من الشارع إلى مواقع التواصل الاجتماعي، تفضح زيارات ممثلي الدول هذه الصورة.
تحفظ الذاكرة جيداً، زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وشعارات “خوش أمديد”، والتهليل الشعبي لحضوره، وانتشار صور الانتماء التي لا تُرفع في طهران نفسها!
كذلك تحفظ الذاكرة، زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، قبل زمن ليس ببعيد، وتقبيل الأيادي، والبكاء على كتف إبن “الأم الحنون”، ورجاء “عودة الانتداب”!
أما السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ومن سبقها من السفراء الأميركيين، فلا يتركون فرصة لنسيان أدوارهم في “الثورات” وقطع الطرق وترجيح كفة هذا الفريق، والتحريض على فريق، وجولات نثر “الأفكار” و”القيم الديموقراطية الأميركية”، والتهليل لها عبر وسائل الاعلام و”مؤثري” مواقع التواصل.
أما السعودية، فلا يمكن القفز فوق جولات السفير الحالي، السياسية منها والتراثية والشاعرية، ولقاءاته الديبلوماسية أو السياسية أو الشعبية، وحملات الدعم والتبريك والرضى ورفع صور “المبايعة”،وجحافل المهللين والمصفقين!
هي صورة فجّة جداً.. نعم… ولكن هل يمكن لأحد أن ينكر أن هذا هو واقع الحال في لبنان؟
هل يمكن نكران أن لبنان عبارة عن دولة تحكمها “شركة” متعددة الجنسيات؟
كيف يقبلها اللبنانيين على أنفسهم، أن لا رئيس من دون تسوية خارجية، وأن الجلوس على طاولة حوار “لبنانية”، مشروطة باتفاق إقليمي بين هذه الدولة وتلك.. ثم يتحدثون عن “السيادة”؟!
هذا يقول “هيمنة أميركية”، وذلك يقول “احتلال إيراني”، وآخر يقول “تدخّل سعودي سافر”… في الواقع، الجميع مرهون ومرتهن.
الأصعب، أن الإعلام مجبور على مناقشة وتحليل التطورات السياسية، ربطاً بالتبعية السياسية، التي أصبحت أمراً واقعاً لا مفرّ منه.
وفي استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية، الجميع ينتظر الـ”ألو”: “صوتوا لهذا الاسم”، ليكون بعدها رئيس الجمهورية اللبنانية المحرومة حتى من “الحكم الذاتي”، الذي تتمتع به الدول “غير المستقلة”، لأن كل قرارات هذا الرئيس “السيادي” يجب أن تنال رضى الدولة التي أعطته الضوء الأخضر ليتمكن من الجلوس على كرسي الرئاسة.