“السعودية” ـ “الحزب”: المواجهة الحاسمة قبل التسوية!

/محمد حمية/

بقيت مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى الراحلين “الجنرال” قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، محور رصد ومتابعة ومعاينة لدى الأوساط السياسية المحلية والخارجية، لما حملته من رسائل تصعيدية ونوعية باتجاه السعودية، ما سيرفع منسوب التوتر بين “المملكة” و”الحزب” وعلى صعيد العلاقة اللبنانية – السعودية في ظل معلومات عن موجة تصعيد سعودية – خليجية جديدة ضد لبنان عكستها مواقف المسؤولين السعوديين أمس.

وعلى الرغم من خصوصية المناسبة ذات الطابع الإقليمي، إلا أن نصرالله استخدم منبر سليماني والمهندس للرد على خطاب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بشكلٍ مباشر للمرة الأولى في تاريخ العلاقة بين القيادة السعودية وقيادة الحزب، ما يعني بحسب مطلعين على موقف “الضاحية”، أن قيادة الحزب، اتخذت قرارًا حاسمًا بالمواجهة ورفع السقف مع السعودية حتى النهاية في لبنان وعلى مستوى المنطقة وعدم التراجع تحت ضغط أي ظروف.

ثمة من يقول إن الأمين العام لحزب الله استغل كلام الملك السعودي التقليدي والذي كرر مواقف سعودية سابقة من الحزب، للهجوم على المملكة لوضع ورقة سياسية إعلامية بيد المفاوض الإيراني يحتاجها في المفاوضات الدائرة على خط طهران – الرياض أو على خط المفاوضات النووية. إلا أن المطلعين على موقف الحزب ينفون ذلك، ويؤكدون لـ”الجريدة” أن “موقف الحزب ينطلق من قناعاته وثوابته ومصلحة لبنان لا سيما أن من بدأ الهجوم السياسي هي السعودية، ومن يدق الباب يسمع الجواب، والبادئ بالعدوان أظلم، والحزب لن يسكت بعد اليوم”.

خطاب نصرالله الذي استحوذت واشنطن والرياض على الجزء الأكبر منه، يعكس بحسب المطلعين، ارتياحًا واطمئنانًا لدى المحور الإيراني ـ السوري ـ حزب الله في المنطقة، ولولا امتلاك “السيد” المعطيات الميدانية والسياسية ووقوفه على حقيقة موازين القوى على الساحتين الإقليمية والدولية، لا سيما التقدم في المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، والتراجع السعودي في المنطقة، لما رفع سقف المواجهة الى هذا المستوى.

ويلخص المطلعون الأسباب التي دفعت قيادة الحزب لكسر الجرة نهائياً مع المملكة والذهاب بعيدًا بالمواجهة وتجاوز كل الاعتبارات وردات الفعل السعودية المتوقعة ضد لبنان، لا سيما وأن الحزب يعلم حجم الجهود التي يبذلها المسؤولون اللبنانيون لرأب الصدع مع المملكة وتجاوز الأزمة الأخيرة؟

ويرى المطلعون بأن المنطقة دخلت في مرحلة جديدة، “مرحلة ما قبل التسويات”، “فالحرب انتهت ونحن الآن في المرحلة الوسطى، أي ما بين التسويات والحرب الرئيسية. وللمرة الأولى في تاريخ السعودية يتناول الملك السعودي حزبًا عربيًا واسلاميًا بالشكل الذي تناول فيه الملك سلمان حزب الله منذ أيام، الى حد وصفه بـ”الإرهابي” وبأنه يضع يده على مفاصل الدولة. وقد انتظر الحزب موقفًا من الحكومة ورئيسها للدفاع عن أحد مكوناتها الأساسية، ولما تلكأ رئيس الحكومة وصمتت الدولة، انبرى السيد نصرالله لرد الصاع صاعين وتسمية الأشياء بأسمائها، وهذا الهجوم المضاد أحد معالم وضرورات مرحلة ما قبل التسويات”.

في رأي مؤيدي وجهة نظر الحزب أن “السعودية لم تعد تملك في جعبتها أوراق قوة إضافية لكي تستخدمها في ضغطها على لبنان أكثر مما فعلته حتى الآن، وهذا يستوجب من قيادة الحزب كشف حقيقة الدور السعودي في لبنان والمنطقة، فلم يعد هناك مصلحة أو جدوى للسكوت عنه، كون السعودية لم تتخذ أي خطوة إيجابية أو مبادرة تجاه لبنان مقابل التنازلات التي قدمها، من استقالة الوزير جورج قرداحي الى مواقف المسؤولين الآخرين. وبالتالي وجد الحزب أن السعودية نكست بالتزامات لقاء جدة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومحمد بن سلمان، ما أشعر الحزب باليأس من إمكانية تغير السياسة السعودية في لبنان إلا إذا تحول الى “مشيخة سعودية” ولبى جميع شروطها. فقرر الحزب التصعيد كون الاستمرار بسياسة النعامة، سيشجع السعودية على الاستغراق بسياساتها”.

ماذا عن تداعيات وارتدادات المواجهة؟

ترى أوساط مؤيدة لحزب الله أن الحديث عن ردة فعل سعودية تجاه لبنان بعد خطاب نصرالله “مجرد تهويل، فالسعودية بكافة الأحوال أداة تنفيذية للحصار الأميركي على لبنان مهما تنازل لها”. وفي هذا السياق تتحدّث تلك الأوساط عن دور سعودي بالتدخل لدى القيمين على النظام المالي والمصرفي في لبنان لرفع سعر صرف الدولار أكثر من 1500 ليرة لبنانية خلال ساعات من أجل الضغط على الدولة اللبنانية والشعب لتحميل الحزب المسؤولية”.

هذه التطورات تعزّز الاعتقاد بمزيد من سوء العلاقة بين حارة حريك والسراي الحكومي بعد رد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على كلام نصرالله ورد النائب حسن فض الله على ميقاتي الذي اتهمه بالـ”جبن” السياسي واسترضاء السعودية على حساب لبنان، الأمر الذي سينعكس مزيدًا من التصدع في الجسد الحكومي وارتفاع حجم الضغوط الخليجية على الاقتصاد اللبناني والعودة إلى وضع اللبنانيين العاملين في الخليج في مربع الخطر والتهديد، بموازاة استدراج ردات فعل واسعة من القوى المؤيدة للسعودية في لبنان للتصويب على الحزب لاستدراج المساعدة السياسية والمالية على مسافة أشهر قليلة من الانتخابات النيابية. وفي هذا السياق يمكن فهم موقف الرئيس سعد الحريري الذي خرج عن صمته السياسي منذ أشهر لانتقاد نصرالله وتأييد السعودية، ما قد ينذر برفع نسبة التوتر المذهبي في الساحة الإسلامية بعدما اطمأن واستطاب الحزب الهدنة غير المعلنة وربط النزاع مع تيار “المستقبل”، لدرء الفتنة التي يخشاها الحزب كثيرًا وقدم الكثير من التنازلات لوأدها وإطفاء نارها. وتتوقع المصادر أن تستنهض السعودية حلفاءها القدامى في لبنان للمواجهة مع حزب الله.