هل بإمكان أوروبا تفادي حرب أميركية ـ صينية؟

عن Project Syndicate Logo

ترجمة Al-jareeda

روبيرت وليامز ـ موريتز رودولف (*)


أصبحت الدول الأوروبية حاليا منقسمة حول ما إذا كان من الواجب عليها أن تنضم إلى مقاطعة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية المقبلة في بكين دبلوماسيا.

تؤكد هذه الواقعة مرة أخرى أن التباعد بين أوروبا واميركا قد يكون شديدا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصين.

إلى جانب القيم السياسية الأساسية المشتركة، توظف اميركا وأوروبا غالبا خطابا متماثلا في ما يتصل بالتحدي الذي تفرضه الصين على النظام الدولي.

مع ذلك، لا تستطيع معظم الحكومات الأوروبية التوفيق بين مصالحها ورؤية تحالف تقوده اميركا للديمقراطيات في مواجهة الأنظمة الاستبدادية في العالم، ويُبدي المسؤولون الأوروبيون النفور من ملاحقة سياسة تركز على الاحتواء في التعامل مع الصين تحت ستار المنافسة.

بينما يريد الاتحاد الأوروبي تعميق التعاون عبر الأطلسي، فلن نجد أي قدر من الإجماع حول كيفية القيام بذلك دون عداوة الصين أو تقويض النظام الدولي الذي يسعى إلى الدفاع عنه. كما أن الحكومات الأوروبية ليست مقتنعة بمصداقية أميركا كشريك. ربما يقدّر بايدن العلاقة بين ضفتي الأطلسي، لكن سلفه دونالد ترمب لم يكن يقدرها حق قدرها.

كيف نجزم بما قد يدافع عنه الرئيس الأميركي التالي ــ ربما ترمب ذاته؟ يُعَد هذا الشك أحد الدوافع الرئيسية وراء الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتفعيل رؤيته بشأن “الاستقلالية الاستراتيجية”.

من المؤكد أن هناك مجالا للتعاون عبر الأطلسي بشأن الصين. الواقع أن الجهود المبذولة لدفع مثل هذا التعاون جارية بالفعل، في هيئة مبادرات مثل الحوار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الصين، ومجلس التجارة والتكنولوجيا التابع للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويجب أن تكون الجهود المشتركة في التصدي للممارسات التجارية المناهضة للمنافسة، وفرض القيود على الصادرات والاستثمارات في الرد على انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، والدفع نحو معايير أعلى لمشاريع البنية الأساسية في الخارج، موضع ترحيب.

لكن الأجندة الحالية المشتركة بين اميركا والاتحاد الأوروبي ربما تكون مفرطة الطموح. الواقع أننا في احتياج إلى ترتيب الأولويات بشكل أوضح لتعظيم الفوائد المترتبة على التنسيق. علاوة على ذلك، سوف تحرز الأنظمة القانونية وتصورات التهديد المتباينة في الولايات المتحدة وأوروبا تقدما في مجالات أساسية ــ مثل فرض الضرائب على الكربون، أو سياسة مكافحة الاحتكار، أو الاستجابات لحملات التضليل الصينية ــ ولكن ببطء شديد.

الواقع أن آفاق التعاون العسكري والأمني الحقيقي في التعامل مع الصين محدودة بشكل خاص. ففي حين اتخذت دول أوروبية بعض التحركات الرمزية ــ على سبيل المثال، استعرضت السفينة الحربية الألمانية بايرن مؤخرا حق المرور الحر في بحر الصين الجنوبي ــ فإنها تخشى الذهاب إلى ما هو أبعد من هذا كثيرا.

هذه هي الحال حتى في فرنسا، الدولة الأوروبية الوحيدة التي لها وجود عسكري ملموس في منطقة الهادي الهندي. وكما أوضح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مؤخرا، “نحن لا نقلل من شأن عمق المنافسة مع الصين، والتي قد تكون شرسة، والحاجة إلى التقييم المتواصل للمخاطر، لكننا نحاول تجنّب عسكرة استراتيجيتنا بما يسمح لنا بضم كل البلدان المعنية ــ مع احترامنا لسيادتها”.

يبدو أن هذا العزوف عن اتخاذ موقف متشدد تجاه الصين من المقدر له أن يستمر. وفي حين يبدو من المرجح أن تتبنى الحكومة الجديدة في ألمانيا لهجة أكثر حزما بعض الشيء، فقد اتخذ المستشار أولاف شولتز موقفا حذرا، موضحا أن جميع التدابير يجب أن “تخضع للتقييم بعناية”، ومؤكدا على الحاجة إلى السعي إلى ترسيخ نهج تعاوني.

لذا، لا ينبغي اميركا أن تتوقع أن تبدأ ألمانيا في النظر إلى العلاقات مع الصين من خلال عدسة إيديولوجية في المقام الأول في أي وقت قريب. كما أن إخفاقات الاتصال التي تحيط باتفاقية أوكوس (AUKUS) الدفاعية المبرمة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ــ التي فاجأت فرنسا التي خسرت عقدا دفاعيا كبيرا ــ تزيد من التأكيد على حدود التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وأوروبا في منطقة الهادي الهندي.

لكن التعاون عبر الأطلسي ليس الطريقة الوحيدة التي تستطيع أوروبا من خلالها التأثير على العلاقات الأميركية الصينية ــ وتخفيف المخاطر التي ينطوي عليها تدهورها السريع. الآن، يسعى الخبراء الاستراتيجيون حثيثا إلى استخلاص الدروس من التاريخ وابتكار نهج كفيل بتمكين الجانبين من التنافس دون التسبب في إحداث كارثة، وخاصة الصراع المسلح. وهنا تستطيع أوروبا أن تساعد.

ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفكر في إطلاق مبادرة دبلوماسية تذكرنا بعملية هلسنكي، التي يُعزى إليها الفضل في الحد من التوترات بين الكتلة السوفييتية والكتلة الغربية في سبعينيات القرن العشرين.

من خلال هذه العملية، تستطيع أوروبا أن تتوسط في اتفاقيات ترمي إلى تهدئة التصعيد، وخفض المخاطر، وإدارة الأزمة، وبالتالي تقليص احتمالات نشوب صراع مسلح.

الحق أن قدرة أوروبا المحدودة على استعراض القوة العسكرية في منطقة الهادي الهندي قد تكون أمرا محمودا في هذا السياق، لأنها تساعد في تعزيز مصداقية القوى الأوروبية باعتبارها وسيطا نزيها جديرا بالثقة. مقارنة بأصحاب المصلحة الأكثر مباشرة، ربما يكون الاتحاد الأوروبي في وضع أفضل يسمح له بالتوسط في قضايا شائكة مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي. وربما يكون قادرا على تعزيز الدبلوماسية البَنّاءة في مجالات مثل الفضاء السيبراني (الإلكتروني) والفضاء الخارجي. في هذه السياقات تعمل القوات الأميركية والصينية على مقربة بشكل منتظم، وقد يؤدي أي سوء تقدير إلى نشوب حرب.

لا ينبغي لأحد أن يقلل من صعوبة وضع القواعد لمسار قوي بالقدر الكافي لتفادي الصراع. لكن أوروبا تتمتع بميزة نسبية في هذا المجال ــ وهي ميزة تمكنت من إثباتها مرارا وتكرارا في الماضي، على سبيل المثال، لعبت المفوضية الأوروبية والبلدان الأوروبية دورا مركزيا في تقديم أنظمة مراقبة الصادرات المتعددة الأطراف، مثل مجموعة موردي المواد النووية وترتيب فاسينار. كما اضطلعت أوروبا بدور بالغ الأهمية في المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.

من الواضح أن إطلاق مبادرة يقودها الاتحاد الأوروبي لخفض التصعيد في منطقة الهادي الهندي ليس أمرا مؤكدا على الإطلاق، وخاصة في ضوء الزيادة الأخيرة في التوترات بين الاتحاد الأوروبي والصين. لكن مثل هذه المبادرة ستكون متماشية مع هدف الاتحاد الأوروبي المعلن المتمثل في ملاحقة نهج شامل في المنطقة يعمل على تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد. الأمر الأكثر أهمية أنه ربما يوفر أفضل فرصة لتجنب نشوب حرب بين قوى عظمى. أليس هذا هو السبب وراء إنشاء الاتحاد الأوروبي؟

 


روبيرت وليامز: المدير التنفيذي لمركز بول تساي الصيني وباحث أول ومحاضر في كلية الحقوق بجامعة ييل، هو زميل أول غير مقيم في معهد” بروكينغز”.

موريتز رودولف: زميل في مركز بول تساي الصيني بكلية الحقوق بجامعة ييل، وهو مؤلف مبادرة الحزام والطريق: الآثار المترتبة على النظام الدولي