رسائل “دافئة” من أردوغان.. هل تعود العلاقات بين تركيا وإسرائيل؟

 

 

كتب موقع “الحرّة” تقريراً من اسطنبول حول خطاب الرئيس التركي أمام الجالية اليهودية في تركيا والحاخامات في الدول الإسلامية.

وجاء في التقرير:

من المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، وجه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان ليلة الأربعاء، رسائل لـ”إسرائيل” وصفت بـ “الدافئة”، في موقفٍ يراه باحثون أتراك و”إسرائيليون” يصب في إطار محاولات إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، بعد سنوات طويلة من التصرفات “شبه العدائية”.

وقال إردوغان خلال لقائه مع أعضاء الجالية اليهودية التركية وأعضاء “تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية” إنه “يولي اهتماما” للحوار الذي تم إحياؤه مجددا، سواء مع الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتصوغ أو رئيس الوزراء، نفتالي بينيت.

ولفت إلى “الأهمية الحيوية للعلاقات التركية الإسرائيلية في أمن واستقرار المنطقة”، وأن “العلاقات بين البلدين تتقدم في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية ضمن مسارها، رغم اختلاف الرأي حول القضية الفلسطينية”.

من جانبها نشرت وسائل إعلام تركية تسجيلا مصورا وثّقت من خلاله إقامة أعضاء تحالف الحاخامات “صلاة يهودية من أجل حماية تركيا ورئيسها إردوغان”.

وذكر صحفيون أتراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الخميس، أن الصلاة حضرها كبار المسؤولين في تركيا، بينهم المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن.

ويأتي ما سبق في وقت تحاول فيه تركيا تعديل سياساتها الخارجية مع دول كانت تكن لها العداء في السابق، أو شابت علاقاتها معها عدة ملفات خلافية وشائكة.

وفي تشرين الثاني الماضي، طرأ تحول كبير على صعيد العلاقات التركية- الإماراتية، وبينما زار ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد العاصمة أنقرة، من المقرر أن يزور إردوغان أبو ظبي في شهر شباط المقبل.

وإضافة إلى ذلك أعلنت تركيا قبل أيام أنها بدأت خطوات إعادة تطبيع العلاقات مع أرمينيا، وكان أولها تعيين مبعوث خاص لمتابعة سير هذه العملية، في تحول كبير أيضا، خاصة أن العلاقة بين البلدين يحكمها “عداء تاريخي”.

لماذا الآن؟

لم يكن لقاء إردوغان بأعضاء “تحالف الحاخامات” والجالية اليهودية التركية في أنقرة أولى الإشارات الخاصة بعلاقات بلاده مع إسرائيل.

في 30 من شهر تشرين الثاني الماضي وبعد أيام من زيارة ولي عهد أبو ظبي، جدد الرئيس التركي رغبة بلاده في تحسين العلاقات مع إسرائيل ومصر، ردا على سؤال صحفي عن العلاقات مع القاهرة وإسرائيل، وقال إن “أي خطوات اتخذت مع الإمارات سنتخذ مثلها مع الآخرين (مصر وإسرائيل)”.

وبعد أزمة اعتقال الزوجين الإسرائيليين بشبهة التجسس في تركيا، حصل لأول مرة تواصل بين إردوغان وبينيت وإردوغان وهرتسوغ، وعكست الأجواء الإيجابية في الاتصال انفتاح الجانبين على إعادة إصلاح العلاقات.

ويرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن “التهدئة الإقليمية الراهنة تُساعد في دفع مسار إعادة العلاقات بين “إسرائيل” وتركيا”.

وأضاف مستدركا: “لكنّ الأمر يبقى مرهونا بما إذا كان الجانبان مستعدين بالفعل للمضي في هذا المسار. في الوقت الراهن لا يوجد تحرك فعلي في هذا المسار والتصريحات التي تصدر من الجانبين أقرب إلى إعلان نوايا”.

ورأى الباحث أن “تركيا بحاجة لإصلاح العلاقات مع “إسرائيل”، لأنّ من شأن ذلك أن يساعدها في عملية تفكيك التحالف الذي تشكّل ضدّها في شرق المتوسط في الفترة الماضية”.

كما أن العلاقة الجيدة مع إسرائيل تساعد أنقرة في تهدئة خلافاتها مع واشنطن، بحسب حديث علوش لموقع “الحرة”.

في السياق  يعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي المختص بالشرق الأوسط، يوآب شتيرن، أنه “من السهل جدا إعادة العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى مسارها الطبيعي، نحن لا نتحدث عن عداء حقيقي ومباشر”.

وأكد شتيرن لموقع “الحرة” أنه “ليست هناك نقاط خلاف حقيقة مباشرة. هناك خلاف على القضية الفلسطينية، ولكن لا مشكلة ما بين إسرائيل وتركيا”، معتبرا أن “الابتعاد ما بين الدولتين جاء على خلفية سياسية أكثر من أي شيء آخر”.

“علاقات متدهورة”

وكانت قد تأزمت العلاقات بين “إسرائيل” وتركيا عقب الحملة العسكرية “الإسرائيلية” على قطاع غزة عام 2008، لتتدهور وتصل إلى حد القطيعة أكثر عقب اعتراض البحرية الإسرائيلية “أسطول الحرية” في مايو 2012، حيث قتل الكوماندوز الإسرائيلي عشرة ناشطين أتراك.

وإثر ذلك طردت تركيا السفير الإسرائيلي وجمدت التعاون العسكري بعد أن خلص تقرير للأمم المتحدة في الحادث عام 2011 إلى تبرئة إسرائيل بدرجة كبيرة. وقلصت إسرائيل وتركيا تبادل المعلومات الاستخباراتية وألغتا تدريبات عسكرية مشتركة.

وفي عام 2016، عادت تركيا لتعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” بعد ست سنوات من الشقاق، حيث أكد إردوغان في حينه حصول اتفاق مع إسرائيل وأن “العلاقات الاقتصادية معها ستبدأ في التحسن”.

بعدها بعامين، عاد التوتر من جديد في العلاقات بين البلدين، بسبب الموقف التركي من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لتصبح العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى القائم بالأعمال.

وفي أواخر العام الماضي، تردد حديث عن حراك لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو ما ورد ذكره على لسان مسؤولين أتراك بينهم المستشار الرئاسي، مسعود كاسين، في كانون الاول 2020. لكن هذا الأمر تجمد لتعود العلاقات إلى التأزم بعد التصعيد العسكري الأخير في غزة وقضية حي الشيخ جراح.

“عوامل مساعدة”

على الرغم من ضبابية ما ستكون عليه العلاقة بين إسرائيل وتركيا في المرحلة المقبلة، إلا أن المحلل الإسرائيلي، شتيرن يرى أن هناك عدة نقاط جديدة “ستساعد في تحقيق التقارب أكثر من أي وقت مضى”.

ويقول شتيرن: “في ظل التطورات في المنطقة، وخاصة موضوع العلاقات مع الإمارات والتقارب. ربما تركيا اتخذت نهجا آخر في ظل ما يحدث من أزمات اقتصادية، وأيضا غياب نقاط خلاف حقيقة حول سوريا”.

وفيما يتعلق بإسرائيل يضيف المحلل السياسي أن التغير الذي حصل للحكومة الإسرائيلية سيكون “عاملا مساعدا”.

ويوضح ذلك بالقول: “بنيامين نتانياهو كان يرفض تطبيع العلاقات مع أنقرة بشكل قطعي. الآن وزير الخارجية، يائير لابيد، معني بالتقدم والتقارب، بينما بينيت سيكون أكثر حذرا، لأنه يخسر من أي رد فعل داخلي من معسكره اليميني”.

ومع ذلك اعتبر شتيرن أن “”إسرائيل” معنية من جانبها في حلحلة الأمور وحل الأزمة المستمرة منذ سنوات. لا تريد تدهورا في الأوضاع ودائما تفضل العلاقات الإيجابية مع دول عظمى، خاصة أن الأمر يتزامن مع المواجهة غير المباشرة مع إيران”.

وبالنّظر إلى أن أسوأ المراحل التي عاشتها العلاقات التركية الإسرائيلية كانت بعد وصول نتانياهو إلى السلطة في 2009، فإن أكثر من عقد على حكمه فاقم من الجفاء في العلاقات وحال دون إصلاحها.

وذلك يؤكده الباحث بالشأن التركي، علوش، ويقول: “الآن. لم يعد نتانياهو موجودا وهناك قيادة جديدة في إسرائيل”.

ويرى الباحث أن “أنقرة تعتقد أن هذا الوضع يُمكن أن يساعد في إصلاح العلاقات، لكنّها تشترط في المقابل أن تُغيّر إسرائيل من تعاملها مع القضية الفلسطينية والقدس”.

وفي المقابل، هناك شروط إسرائيلية كانت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” قد تطرقت إلى الحديث عنها، في يناير 2021.

وقالت الصحيفة إن إسرائيل تطالب بثلاثة تعهدات مهمة من أنقرة قبل الموافقة على استعادة العلاقات.

وتلك المطالب هي أن “تكف تركيا عن السماح لحماس بالتخطيط لأنشطة عسكرية انطلاقا من أراضيها، وأن تكون تركيا أكثر شفافية بشأن أنشطتها فى القدس الشرقية، وأن يخفف إردوغان والمسؤولون الأتراك من حدة خطابهم القاسي المناهض لإسرائيل”.

“خطوات متوقعة”

في أذار الماضي، كتبت الباحثة، كاريل فالانسي، عبر موقع المجلس الأطلسي، وهي مؤسسة بحثية غير حزبية، مقالا عن العلاقات التركية الإسرائيلية، وقالت إن “عزلة تركيا المتزايدة في جوارها وعلاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة تدفعها لتطبيع العلاقات مع دول المنطقة بما في ذلك “إسرائيل””.

وأضافت فالانسي: “ربما يكون مزيج من المصالح الاقتصادية والطاقة والاستخباراتية والسياسية قد أقنع أنقرة بإعادة التفكير في سياستها تجاه “إسرائيل””.

من جهته، يرى الباحث بالشأن التركي، طه عودة أوغلو، أن التصريحات الإيجابية التي صدرت من قبل إردوغان خلال لقائه مع حاخامات اليهود في أنقرة “هي إشارة واضحة على انفراجة مرتقبة مع مطلع العام الجديد في العلاقات التركية الإسرائيلية”.

وتحدث عودة أوغلو عن محطات أسست لما حصل أخيرا، بينها انتهاء أزمة الزوجين الإسرائيليين في إسطنبول، إضافة إلى المكالمات الهاتفية بين إردوغان ونظيره الإسرائيلي.

ويضيف الباحث لموقع “الحرة” أن “هذه المحطات حولت الأزمة إلى فرصة لعودة العلاقات إلى سابق عهدها بين البلدين”.

ويشير إلى أنه “من المتوقع أن تشهد العلاقات بين أنقرة وإسرائيل تحسنا ملحوظا في الفترة القريبة المقبلة خاصة بعد خطوات حسنة النية التي أقدم عليها إردوغان مع الإسرائيليين، وتأكيده على أن هذه العلاقات بين البلدين تشكل أهمية لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط”.

وبحسب الباحث التركي هناك “إجماع كبير في الإعلام التركي على ضرورة تحسين العلاقات مع “إسرائيل” إن شاءت تركيا أن يكون لها دور قوي في ملفات المنطقة الشائكة، وخصوصا المتعلقة بشرق المتوسط”.