إلى أين تتجه ليبيا بعد تأجيل الانتخابات؟

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً للمراسلة الدولية للصحيفة منى النجار ومديرة مكتب القاهرة فيفيان يي، تناولتا تأجيل الانتخابات الليبية التي كانت مقررة يوم الجمعة، وأثر ذلك في البلاد والمنطقة حولها.

جاء في التقرير:

تأجيل بنكهة الغليان

استهلت الكاتبتان تقريرهما بالإشارة إلى إعلان البرلمان الليبي أنه سيكون من غير الممكن إجراء الانتخابات الرئاسية التي طال انتظارها يوم الجمعة كما كان مقررًا، وهو التأخير الذي يهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في هذا البلد الغني بالنفط والواقع في شمال أفريقيا، والذي شهد انقسامات وعنف على مدار العقد الماضي الذي أعقب الإطاحة بالديكتاتور العقيد معمر القذافي وقتله في ثورة شعبية.

وتابع التقرير، أكَّد إعلان رئيس اللجنة البرلمانية المكلَّفة من مجلس النواب الليبي بمتابعة ملف الانتخابات، الهادي الصغير، يوم الأربعاء بتأجيل الانتخابات ما يعرفه الجميع تقريبًا في ليبيا، ولكن هذه الخطوة تهدِّد بدفع التوترات السياسية في البلاد من الاضطراب إلى الغليان، لافتا إلى أنه «بعد الاطلاع على التقارير التقنية والقضائية والأمنية، نود إعلامكم بأنه سيكون من المستحيل إجراء الانتخابات في الموعد الذي حدده قانون الانتخابات»، وكان الدبلوماسيون الغربيون، إلى جانب عديدٍ من الليبيين، قد دعموا خطوة الانتخابات بشدة وعَدُّوها حاسمة من أجل إنهاء ما يقارب عقدًا من الصراع الأهلي وإعادة توحيد بلد لا يزال منقسمًا إلى قسمين، ويُعد انتخاب رئيس جديد هو المِفتاح لبدء عمليات إخلاء جيوش المقاتلين الأجانب الذين جاءوا إلى البلاد على مدى السنوات الأخيرة لخوض حرب أهلية، والبدء في توحيد الميليشيات الليبية المتعددة في جيش وطني واحد، وإعادة توحيد المؤسسات الحكومية المتصدِّعة.

تأهب واستعداد

يلفت التقرير إلى أن ليبيا كانت في حالة تأهب بالفعل حين أُعلن عن تأجيل الانتخابات صباح الأربعاء، ففي العاصمة الليبية طرابلس، انتشرت يوم الثلاثاء الدبابات والمسلحون في الشوارع، وأغلقوا الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي، ودعت الحكومة الشعب لتخزين المواد الغذائية والوقود مؤجِّجةً بذلك المخاوف من اندلاع نزاع مسلح وشيك، ولكن لم تندلع أي حركات عنف حتى ليل الأربعاء، إلا أن كثيرين يخشون أن هذا الهدوء الهش لن يستمر طويلًا.

وأكد التقرير أنه لأكثر من عامٍ مضى، ظلت ليبيا تعمل من أجل عقد الانتخابات في 24 من كانون الأول، وهو اليوم الذي يتزامن مع الذكرى السبعين لاستقلال البلاد، ولكن كان من الواضح على نحو متزايد في الأسابيع الأخيرة أن الانتخابات لا يمكن أن تُعقد كما هو مخطط لها، بسبب الخلافات حول أهلية المرشحين الرئيسِين وقانون الانتخابات، وكان مسؤولو الانتخابات قد طلبوا بالفعل من العاملين في الانتخابات العودة إلى منازلهم مساء الثلاثاء.

وأضاف التقرير إلى أن “السؤال الآن لا يدور حول الموعد القادم لإجراء الانتخابات فحسب بل يتطرق إلى مدى الهشاشة الذي يمكن أن تكون عليه هذه الانتخابات، وأيضًا مَنْ الذي سيحكم ليبيا في هذه الفترة الانتقالية، وبينما يواصل الوسطاء الدوليون محاولاتهم تحديد موعد جديد للانتخابات لا يبعد كثيرًا عن ذلك الموعد المحدد، كان السياسيون الليبيون يتنافسون بالفعل للسيطرة على البلاد التي يبدو أنها في طريقها إلى السقوط بالفعل في خطر أن تصبح بلا قيادة، في ظل عدم اليقين الإضافي الذي أحدثه تأجيل الانتخابات”.

استعدادات واجبة للانتخابات المقبلة

ترى الكاتبتان في تقريرهما أن مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات اقترح يوم 24 كانون الثاني، موعدًا جديدًا للانتخابات، إلا أنه لم يتضح بعد هل يحظى هذا الموعد الجديد بقبول واسع النطاق، كما أنه يجب إعداد كثير من الأمور قبل موعد الانتخابات بغض النظر في أي يوم كان ذلك، وفيما يتعلق بصناديق الاقتراع ومراكز الاقتراع، فإن ليبيا مُعدَّة لذلك إلى حد ما، ولكن الشكوك لا تزال تحوم حول عدالة قانون الانتخابات، وقال الدبلوماسيون والمحللون إن ليبيا بحاجة إلى قانون انتخابات مُعدَّل ومحكمة عليا جديدة للبت في مدى أهلية أحد المرشحين لخوض الانتخابات، وذلك قبل الانتخابات المقبلة.

ولفت إلى أن القضايا الشائكة في مسألة المرشحين تتعلق بسيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور السابق، والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم حرب ارتكبها في ثورة 2011، وكذلك عبد الحميد دبيبة، الزعيم الحالي للحكومة المؤقتة، الذي قال المرشحون الآخرون إنه لم يتنحَّ عن منصبه الحكومي قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات كما يقتضي القانون الليبي.

وأوضح انه يخشى عديد من الليبيين من أن الاستقطاب حول المرشحين البارزين مثل القذافي ودبيبة وخليفة حفتر، الرجل القوي الذي أطلق حملة عسكرية للسيطرة على طرابلس قبل عامين، سيجعل من المستحيل اعتبار الفائز النهائي بالانتخابات رئيسًا شرعيًّا، مشيرا إلى أن الشرعية هي تحديدًا ما يحتاجه أي رئيس مستقبلي لتحقيق التقدم في مواجهة التحديات الكثيرة التي تتربص بليبيا.

وأشار إلى أنه يقول أحمد شركسي، عضو منتدى الحوار السياسي الليبي، الهيئة التي عقدتها الأمم المتحدة والتي حددت خارطة الطريق للحكومة المؤقتة والانتخابات: إن «الرئيس الجديد سيستمِد سلطته من الشعب وليس من الحوارات الدولية وحدها»، وأشار إلى أن الحكومة الحالية اختيرت بوساطة دولية لم يشارك فيها سوى عدد قليل من الليبيين.

مرشحون بالعشرات

وذكرت وسائل إعلام محلية في وقت سابق من يوم الأربعاء أن رئيس مفوضية الانتخابات، عماد السايح، قال إن مجلس إدارة المفوضية استقال بعد إخفاقه في عقد الانتخابات في موعدها المحدد، ولكن الشركسي نفى ذلك لاحقًا، قائلًا إنه تحدث مباشرةً إلى السايح. وأعلن ما يقرب من مائة شخص، من بينهم عدد قليل من الشخصيات السياسية الليبية البارزة، ترشحهم لانتخابات الرئاسة في ليبيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 7 ملايين نسمة.

وتختم الكاتبتان بالقول: سجل أكثر من ثلث الليبيين للتصويت في الانتخابات، وعبَّر أكثر من 2.4 ملايين منهم عن نيتهم المشاركة في الانتخابات من خلال الحصول على بطاقات التصويت الخاصة بهم، سواءً لدعم مرشحين معينين أو لمجرد التصويت ضد آخرين.