نبيه بري جبران باسيل
تصوير عباس سلمان

سجال بري ـ باسيل: الرسائل والأبعاد.. “الرئاسة” في المجهول!

/محمد حمية/

طفا الخلاف الرئاسي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على سطح استحقاق رئاسة الجمهورية، بعدما كان مخفياً في أدراج تحالف “الورقة البيضاء” بين ثنائي حركة “أمل” ـ “حزب الله” و”التيار”.

اشتباك عين التينة ـ ميرنا الشالوحي أضاف إلى المسرح الرئاسي، المعقّد والمتشظي أصلاً، عقدة تعطيلية جديدة تضع استحقاق رئاسة الجمهورية أمام مصير مجهول، وتشرع الباب أمام كافة الاحتمالات، أقلها سوءاً تسيّد الشغور في سدة الرئاسة الأولى لأشهر عدة.

كلام باسيل، وردّ بري والنائب طوني فرنجية عليه، والردود المقابلة والمفتوحة على مزيد من السجالات، سيخلّف تداعيات وانعكاسات سلبية كبيرة على المشهد الرئاسي، فهو كشف هشاشة تحالف “الورقة البيضاء”، وعقّد اتفاقه على مرشح موحّد ينتظره رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ليساوم عليه باتفاق ينقله من ضفة النائب ميشال معوض الى ضفة “الثنائي” – “التيار”، ما سيبقي جنبلاط في خندقه حتى إشعار آخر، بالتالي تعقد أي عملية تفاوض بين فريق “الثنائي” وفرنجية  ـ باسيل من جهة والفريق الأميركي ـ السعودي في لبنان المتمثل بـ”القوات” و”الكتائب” ونواب سنة وبعض قوى التغيير والمستقلين من جهة ثانية، طالما تيقن الجميع ألا إمكانية لهذا الفريق من إيصال رئيس للجمهورية من يمِّه، كالنائب معوض، ما سيزيد تبعثر المجلس النيابي المشتت والمفتت أصلاً بين كتل عدة ممزقة غير قادرة على الحوار في ما بينها، فكيف بالاتفاق؟!

كما أن موجة الاشتباك الجديدة التي أطاحت بالأكثرية النيابية نصاباً وانتخاباً، جاءت لتوصد الباب أمام أي تسوية رئاسية محلية، وتُفقد الخارج أي حماسة لـ”طبخ” التسوية، طالما أن أهل البيت لا يبالون، و”إذا كـــان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربٌ، فشيمـةٌ أهلِ البيتِ الرقصُ”، وفق ما يقول المثل، علماً أن الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله رفع السقف الرئاسي، ما يعكس التصعيد السياسي والعسكري والأمني في المنطقة بين المحورين المتقاتلين.

أمضى الرئيس بري ربع “ساعة العهد” الأخير، وهو يعد الأيام والساعات لانتهائه، لتحضير المسرح لإنتاج تسوية رئاسية جديدة على أنقاض تسوية 2016 تدفن معها “العهد العوني” وابعاده كلياً عن بعبدا، وهو لا يريد تكرار تسوية تشبه تلك التسوية التي “أرهقت البلد وسوّته على حضيض الانهيار”، وفق ما يعتبر بري، وهو الذي أسدى نصائح بالجملة للحليف والصديق والخصم والحكم بأن اتفاق “الجنرال” ـ “الشيخ سعد”، لا سيما بلا اتفاق على سلة ملفات، سيؤدي الى طريق مسدود وسيضر بمصلحة البلد.

غرد بري آنذاك خارج سرب “حزب الله”، ووقف سداً منيعاً ضد وصول مرشح الحزب ميشال عون الى بعبدا، لكن ذاك الخلاف لم يفسد في الود قضية، وما هي إلا ثلاث سنوات حتى ظهر خيط العهد الأبيض من خيطه الأسود، وبدأ مسلسل الانهيار في العهد العوني.

فرنجية هو قطبة الخلاف المخفية بين “العين” و”الرابية”، فهو قرّة عين “العين” وعين “السيد” الثانية في آنٍ معاً، لكنه في الوقت عينه من محرمات “الرابية” وخطوطها الحمر، ممنوع على “الحليف” أن يقربها وإن تمسك بها حليف الحليف.

إلا أن لباسيل كلاماً آخر سيفرض وقعه في قواعد اللعبة الرئاسية، وسيمنح باسيل “فيتو” رئاسي يحوله رقماً صعباً في المعادلة الرئاسية، والناخب المسيحي الأكبر، بدعم من “حزب الله” الذي لن يسير بفرنجية من دون التفاهم مع باسيل على المرحلة المقبلة.

اختار باسيل أرض “الأم الحنون” لإطلاق سهام رسائله باتجاه الرئاسة الثانية، وقطع طريق بعبدا على فرنجية مبكراً، وخلط الأوراق الرئاسية، لكن رئيس “التيار” في حقيقة الأمر استخدم عين التينة وبنشعي صندوق بريد لإيصال رسائله إلى “حزب الله”، على قاعدة “عم بحكيك يا كنّة تا تسمعي يا جارة”، الرسالة مفادها “إذا كنتم تخوضون معركة فرنجية لضرورات الوفاء بوعد 2016 ومطلب الحليف الشيعي، فاقصروا الطريق والوقت والمشقة وابحثوا عن مرشح آخر توافقي.. فموقفنا حاسم برفض فرنجية الآن وغداً”.

يدرك باسيل أن حارة حريك مقيدة بضرورات التحالف مع التيار الأبرز على الساحة المسيحية، ليست بصدد ارتكاب أي خطوة رئاسية في المجهول تهدد اتفاق “مار مخايل”.

“حزب الله” استلم الرسالة بالبريد السريع” وسيتريث بالرد العلني” وسيمرره بالغرف المغلقة على اللقاءات الخاصة، سيما وأن كلام باسيل جاء غداة لقاء مع المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله حسين الخليل بأيام قليلة.

فإذا كان “التوأم الشيعي” عقد العزم والعهد بأن يخوض معركة رئاسة الجمهورية على قلب رجل واحد ومرشح موحد، بعدما تعلم الدروس من الفراق الطوعي في استحقاق 2016 عندما عارض بري وحيداً تسوية “المستقبل” ـ “التيار” التي أوصلت عون الى بعبدا، وإذا كان الحزب لن يسير بسليمان فرنجية من دون “التيار الوطني الحر” الذي أعلن رئيسه اليوم على الملأ بأنه لن يسير به مطلقاً، فإن التوافق داخل هذا الفريق بعيد المنال ويكاد يقارب المستحيل، فكيف مع الأطراف السياسية الأخرى؟

عمّق السجال الفجوة الرئاسية، وأدخل الاستحقاق في منطقة مجهولة من عدم الاتزان والتوازن والفراغ القاتل وبدائرة المطبات الهوائية المتكررة، التي تصعّب الهبوط الآمن بمظلة التسوية.