//فاطمة جمعة//
قبل أسابيع، أصدرت رئاسة الجامعة اللبنانية التعميم رقم 3، الذي يقضي بإلزامية اعتماد التعليم الحضوري حصراً في كافة كليات ومعاهد الجامعة للعام الدراسي 2022 ـ 2023، ونسبت هذا القرار لانتهاء مفاعيل قرار الإغلاق الصادر عن مجلس الوزراء، وانخفاض معدلات الإصابة بفيروس كورونا، الأمر الذي دفع الإدارة المركزية لوقف الأسباب الموجبة للتعليم عن بعد.
القرار الذي فاجأ الجميع آنذاك، أساتذةً، وطلاباً وأهالي، جاء وسط موجة من التحركات المطلبية، والإضرابات الإحتجاجية، والتي اتخذت مسارين:
الأول، من جهة الطلاب الذين نفذوا تحركات، عفوية ومنظمة حزبياً، للمطالبة بإنهاء ما تبقى من العام الدراسي المنصرم، والبدء بالعام الدراسي الجديد، لا سيما بعد وقوعهم “كبش محرقة” من خلال زيادة رسم التسجيل ـ الذي برمزيته ـ ما زال يشكل عبئاً على الأهالي والطلاب، وكأن السلطة لم تجد مخرجاً لتعزيز ميزانية جامعة الفقراء إلا من جيب الفقراء.
الثاني، من جهة الأساتذة، حيث نظموا إضرابات متواصلة، تارةً لتحصيل حقوقهم، وطوراً لحل الخلافات القائمة داخل هيئات الجامعة. كما يعبر السواد الأعظم من هؤلاء الأساتذة، عن عدم رضاهم على التعديل في الرواتب الذي ضمنته الموازنة العامة، فأصبح الراتب يزيد ثلاثة أضعاف قيمته، إضافةً إلى بدل النقل الذي عممته وزارة العمل على كافة موظفي القطاع العام. كل ذلك، ولم يوقع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، قبل أيام من انتهاء ولايته، قانون موازنة العام 2022، ليصبح مصير رواتب الموظفين مؤجلاً حتى تصبح الموازنة نافذة حكماً.
قرار “همايوني”
في المبدأ، لا يمكن لأحد أن يعترض على الحضور، خصوصاً أن التعليم عن بعد فيه صعوبات كثيرة، منها ما يتعلّق بواقع الانترنت والكهرباء، فضلاً عن القدرة على التعلم عن بعد في المواد العلمية.
إلا أن الأزمة التي يمرّ بها اللبنانيون، والصعوبات المعيشية التي يرزح الطلاب تحت وطأتها، تجعل هذا القرار وكأن الجامعة تعيش في حالة انفصال عن الواقع، لأن التعليم الحضوري “حصراً”، دونه عقبات وتحديات ستجعل طلاب الجامعة اللبنانية ينكفئون عنها، إما في سياق “تسرّب” تعليمي، والذي شهدنا معالمه مع انخفاض الإقبال على مباريات الدخول، أو في سياق البحث عن بدائل في ظل “سباحة” الجامعة اللبنانية خارج بيئتها.
لا تكمن الخطورة في طرح فكرة “الحضوري”، إنما في تنفيذها، حيث جاء في القرار: “يُطلب من كافة مجالس الوحدات إصدار التعاميم الإدارية التي تُنظِّم آلية اعتماد التعليم الحضوري بما يتناسب وخصوصية كل كلية ومعهد”. ما يعني وضع الطلاب تحت رحمة إدارة الوحدة الجامعية التي تتفنن بالتعاميم المجحفة، والإجراءات الاستنسابية تجاه الطلاب، إلا ما ندر من الإدارات النزيهة. هنا نعود بالأحداث إلى فترة الحجر المنزلي للتذكير بممارسات الإقصاء من المواد في كلية السياحة وإدارة الفنادق، وعدم توفير الدروس المعطاة، وحرمان طلاب من تقديم الامتحانات لأسباب “شخصية”… وانتهاج أقصى الشروط لنجاح الطلاب في الفصل الدراسي، بينما كانت هناك أساليب مرنة ومريحة في كليات أخرى. إذاً، هكذا يكون الأمر عندما تترك الحرية للكليات في تنفيذ القرارات، التي تمارس الاستنسابية، ليست وحدها، بل بعض الأساتذة الذين يسبحون أيضاً بعيداً عن الواقع اللبناني، ويضغطون على الطلاب.
كان من الأفضل أن يحدد قرار رئاسة الجامعة وحده الآليات التعليمية، ويُفرض بالمساواة على الكليات والأساتذة، تفادياً لأي ظلم قد يلحق بالطلاب. بل كان من الأجدر، ذكر السماح بالتعليم المدمج في نص القرار بدلاً من “خصوصية كل كلية”، حيث أن الإدارة التي تلتزم الحضوري “حصراً”، وإن نادى الطلاب باعتماد المدمج، لن تكترث إليهم. بالتالي، لا تعبر خطوة الجامعة هذه سوى عن قرار “همايوني” غير مدروس ولا يراعي الواقع الاجتماعي والمعيشي لطلاب جامعة الوطن.
في قانون الجامعة.. الطلاب دائماً الضحية
وعلى وقع الإنحدار والتآكل في جسم الجامعة اللبنانية، أطلّ نص قرار رئاسة الجامعة على الأزمة الاقتصادية الراهنة مرور الكرام، بعبارة: “مراعاة عدد أيام الحضور بالنسبة الى الطلاب والأساتذة، نظراً للظروف الاقتصادية القاسية وبما يضمن الحفاظ على المستوى الأكاديمي وجودة التعليم”.
هنا يشير بعض طلاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية إلى كلفة تنقلهم من مكان إقامتهم إلى مقر الكلية، على نطاق فروعها في لبنان، وهي كالآتي:
- في بيروت: تبلغ كلفة التنقل للقاطنين داخل المدينة، ذهاباً وإياياً، قرابة 100,000 ليرة يومياً، وقرابة 150,000 ليرة للقاطنين على أطراف المدينة. فإذا افترضنا حضور ثلاثة أيام في الأسبوع، تتراوح كلفة المواصلات الشهرية بين 1,200,000 و1,800,000 ليرة.
- في زحلة، تبلغ كلفة التنقل للقاطنين داخل المدينة، ذهاباً وإياياً، قرابة 80,000 ليرة يومياً، وقرابة 300,000 ليرة للقاطنين في قرى محافظة البقاع وبعلبك ـ الهرمل. فإذا افترضنا حضور ثلاثة أيام في الأسبوع، تتراوح كلفة المواصلات الشهرية بين 960,000 و3,600,000 ليرة.
- في طرابلس، تبلغ كلفة التنقل للقاطنين داخل المدينة، ذهاباً وإياياً، قرابة 80,000 ليرة يومياً، وقرابة 180,000 ليرة للقاطنين في قرى محافظة الشمال. فإذا افترضنا حضور ثلاثة أيام في الأسبوع، تتراوح كلفة المواصلات الشهرية بين 960,000 و2,160,000 ليرة.
- في صيدا، تبلغ كلفة التنقل للقاطنين داخل المدينة، ذهاباً وإياياً، قرابة 100,000 ليرة يومياً، وقرابة 300,000 ليرة للقاطنين في قرى محافظة الجنوب. فإذا افترضنا حضور ثلاثة أيام في الأسبوع، تتراوح كلفة المواصلات الشهرية بين 1,200,000 و3,600,000 ليرة.
هذه الأرقام التي تشكل عبئاً على الرواتب، والتي فقدت بدورها قدرتها الشرائية أمام ارتفاع سعر صرف الدولار، هي فقط للمواصلات، إن لم تحتسب كلفة الاحتياجات الأساسية من مأكل ومستلزمات تعلمية، كما أنها لم تشمل الطلاب الذين يأتون يومياً من محافظات بعيدة إلى بيروت، لعدم توفر إختصاصهم المرجو في الفرع الأقرب.
وتحت مظلة “حصراً”، ليس بحيلة الطلاب سوى قراءة الدروس إلكترونياً إن حظيت بها، بسبب تراجع الأساتذة عن إعطاء جزء من المحاضرات عن بعد إلتزاماً بالقرار، هذا إن لم يُحرموا من تقديم الإمتحانات لعدم تمكنهم من الحضور اليومي، بذلك يُهدر حقهم بالحصول على التعليم، أقله بمستوى زملاء الصف، كما يخسرون عاماً دراسياً دفنته السلطة بتجاهل أجهزتها كافة.
بدران متمسك: لا استثناءات
في السياق، كشف رئيس مجلس المندوبين السابق في الجامعة اللبنانية البروفيسور علي رحال، في حديث لموقع “الجريدة”، أن لا إمكانية لاعتماد التعليم المدمج جزئياً مع “الحضوري”، بعد أن ثبتت تجربته الفاشلة وتأثيره السلبي على الطلاب. ويرجع رحال السبب وراء ذلك، إلى إلحاق الجامعة بسائر الجامعات الخاصة التي عادت للتعليم الحضوري قبل مدة جيدة، ولكي لا تكون خلفهم، من ناحية جودة التعليم من جهة، والمستوى العلمي للطلاب من جهة أخرى.
ويرى رحال أن تمسك رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران بقراره، هو الخيار الصائب والعادل حتماً، على أنه الأنسب للجامعة، للأساتذة، والطلاب. أما في ما يخص كلفة المواصلات، فأوضح أنه من الممكن توجه بعض الكليات للتدريس يوماً واحداً مكثفاً بالأسبوع، بدلاً من ثلاثة أيام، مع العلم أن حصر عدة مواد لعدة أساتذة في يوم موحد أمر بالغ الصعوبة لارتباطاتهم بداومات أخرى، الأمر الذي ينمّ عن سوء تقدير وعدم معرفة من قبل الرئيس ـ على قدر سهولة إصداره القرار ـ على قدر الصعوبات والتحديات التي سيستدعيها.
الوضع يتطلب تضحية من الجميع
في المحصلة، إن هذا القرار لن يؤثر على المستوى التعليمي والاجتماعي للطلاب فحسب، بل يرخي بظلاله على أوضاعهم النفسية، حيث سينتابهم شعور من الخوف والقلق تجاه مستقبلهم المجهول، مع استحالة تسجيلهم في الجامعات الخاصة التي دولرت أقساطها، بالإضافة إلى إيجارات السكن الباهظة في المدينة، فبعد أن كان إيجار الغرفة الواحدة لا يتعدّى 300,000 ليرة في محيط مجمع الحدث (بيت الطلبة)، أصبح اليوم يتراوح بين 50 و100 إلى 150 دولار وفق موقع السكن والخدمات المقدّمة.
في المقابل، يقرّ بروفيسور الإعلام والتسويق السياسي في الجامعة اللبنانية إياد عبيد، في حديث لموقع “الجريدة”، أنه يذهب من حيث يقطن في طرابلس إلى كلية الإعلام في بيروت، لإعطاء الدروس حضورياً على نفقته الخاصة منذ فترة انتشار كورونا وقبل تخصيص أي بدل نقل للأساتذة، وهو إذ لا ينكر الكلفة العالية التي يتكبدها، بل يضع أولوية الحق بالتعليم فوق كل اعتبار.
ويشير عبيد إلى أن الوضع الحالي في لبنان يتطلب تهيئة الأسباب الموجبة مادياً وعدّ العدة لتخفيف حدة القرار على جميع الأطراف، إلا أنه لا ينفي أهمية التعليم الحضوري كأساس للمستقبل، وكجدوى إنتاجية مثالية، مستشهداً بذلك بإلغاء الجامعات الأوروبية أسلوب التعليم عن بعد منذ عام. ويجزم عبيد بأنه مهما كانت الظروف وبمعزل عن قرار رئاسة الجامعة، من المتوجب تحمل الطلاب والأساتذة المسؤولية وإيجاد الحلول لإنجاح العام الدراسي وتدارك الأزمة.
يبقى السؤال الأهم، لماذا لا يتم تأمين باصات خاصة بالجامعة اللبنانية؟ لماذا لا تُطبق اللامركزية الإدارية وتتوسع فروع الجامعة على جميع الأقضية؟