رسائل البخاري من “منصة الطائف”: ولّى زمن “الوكلاء”.. السعودية هنا!

/محمد حمية/  

مرّت العلاقات السعودية – اللبنانية منذ اتفاق الطائف حتى اليوم بمدٍ وجزرٍ و”طلعات” و”نزلات”، وتقلبات من توتر وتصعيد واستقرار. 

وإن شهدت العلاقة بين الرياض وبيروت استقراراً طويلاً منذ الطائف وطيلة مرحلة تولي الرئيس رفيق الحريري زعامة السنة ورئاسة الحكومة في لبنان في ظل قيادة الملكين فهد وعبدالله بن عبد العزيز، وفي حضن معادلة الـ”سين- سين”، إلا أنها شهدت تعرجات عدة بعد اغتيال الحريري، وساءت أكثر بعد وصف القيادة السعودية عملية “حزب الله” بأسر الجنديين الاسرائيليين في تموز 2006 بـ”المغامرة”، ثم أحداث 7 أيار، واتفاق الدوحة، فالحرب السورية، وسلسلة المعارك مع الارهاب، وصولاً إلى ذروة تأزم هذه العلاقة أثناء الحرب في اليمن ودخول السعودية طرفاً أساسياً فيها، تُرجمت بالغضب السعودي على الرئيس سعد الحريري بعد عقد التسوية الرئاسية مع الرئيس ميشال عون. 

سحبت السعودية سفيرها وقطعت العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية والسياسية مع لبنان في العام الماضي، بعد تصريحات وزير الاعلام السابق في حكومة نجيب ميقاتي جورج قرداحي، وانكفأت فترة شهور عن المشهد اللبناني، حتى عاد سفيرها الى بيروت بشكل مفاجئ قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة في أيار الماضي.  

دخلت السعودية بعد ذلك، إلى قلب المعادلة الداخلية اللبنانية أكثر من أي وقت مضى، من بوابة استشعار الخطر على اتفاق الطائف الذي يُشكل لها بوليصة التأمين القوية لحضورها في المعادلة اللبنانية، في ظل توثب قوى دولية وإقليمية أخرى، كإيران وتركيا وفرنسا، لملء الفراغ الذي خلفه انكفاء السعودية عن المشهد اللبناني، وتشتت القوى السنية بعد غياب الحريري، في ظل انشغال الأميركيين بملفات أخرى وترك الساحة جزئياً للفرنسيين خلال العامين الماضيين. 

لم يكن إصرار السعوديين على إقصاء الزعيم السني الأقوى في لبنان سعد الحريري، عن المشهد الحكومي ثم الانتخابي فالسياسي، بعد “تصفيته مالياً”، معزولاً عن توجه سعودي جديد للتعاطي مع لبنان بدأ منذ إبرام التسوية الرئاسية 2016 مع الرئيس عون (حليف حزب الله).. بدأت رحلة الإقصاء الحريرية منذ احتجازه في تشرين الثاني 2017، ثم إسقاط حكومته عقب أحداث 17 تشرين 2019، ثم عرقلة عودته الى السراي الحكومي بعد انفجار مرفأ بيروت حيث بقي مكلفاً 9 شهور، ثم ثنّيه عن المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة، وتعليق عمله السياسي حتى اشعار آخر. 

لا مجال للغوص في الأسباب الحقيقية لسوء العلاقة بين المملكة و”بيت الوسط”، لكن ضرورات المعركة مع ايران في المنطقة وحليفها “حزب الله”، وغياب “قائد” سني يُنفذ سياسة “المملكة”، أرغمت الأخيرة على الدخول المباشر إلى الساحة اللبنانية، واختراق المظلة الفرنسية التي تمكنت من انتزاع تفويض جزئي من واشنطن لادارة الملف اللبناني وأزماته في الوقت الدولي ـ الاقليمي الضائع، ريثما تحين لحظة التسوية.  

بعدما ضمنت الرياض انكفاء “الشيخ سعد”، وتفتيت الساحة السنية إلى أطراف مختلفة الانتماءات والولاءات والخيارات، سارعت إلى مسح الدوائر الانتخابية ذات الثقل السني، وعقدت تحالفات اسلامية ـ مسيحية، لا سيما بين “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وقوى سنية عدة، تضمن انتاج كتلة نيابية كبيرة بنواة سنية وازنة تكون “حصان طروادة” لاقتحام “قلاع” خصومها، وتثبيت حضورها في لبنان. 

السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، الذي يقود حركة سياسية وجولات مكثفة في مناطق مختلفة، يستعد لإحياء ذكرى اتفاق الطائف في احتفال السبت المقبل، يسعى لأن يكون “تظاهرة سنية”، بحيث يجمع أغلب النواب السنة متنوعي الانتماء، ونواباً من طوائف أخرى، وبحضور شخصيات شاركت في الطائف، وفي مقدمهم الأخضر الابراهيمي، على أن تكون الذكرى منصة لتوجيه رسائل سياسية شديدة اللهجة بالشكل والمضمون:  

* في الشكل، تريد السعودية إفهام الحليف والخصم، بأن المعادلة السنية تغيرت عما كانت عليه في مرحلة “الحريرية” التي كانت وسيطاً بين لبنان والرياض، أما اليوم فقد ولى زمن “الوسطاء” و”الوكلاء”، وبات التعاطي مباشرة مع “المملكة” كوكيل حصري للسنة، وعلى المعنيين بالاستحقاقات الرجوع اليها ومفاوضتها بشكلٍ مباشر، لا سيما في استحقاقات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة المقبلة وفي أي حديث عن تعديل الطائف. 

وبرأي أوساط سنية، تحولت “المملكة” إلى “ولي أمر” معظم النواب السنة، ومرجعيتهم السياسية، ولم تعد تعترف بأي مرجعية أو قيادة سنية بعد غياب الحريري الذي لايزال الممثل الأقوى في الطائفة، وبالحد الأدنى هو “أقوى الضعفاء”. 

* في المضمون، فاللقاء والمواقف المنتظرة، هو بمثابة رد حاسم على الحديث عن تعديل اتفاق الطائف وعقد “المؤتمر التأسيسي”، سواء مطالبة قوى مسيحية، على رأسها “التيار الوطني الحر”، باسترداد الصلاحيات “المسلوبة” لرئيس الجمهورية في الطائف، أو النوايا التي يُتهم بها “حزب الله” بأنه يريد تعديل النظام لمصلحة “المثالثة”. ولن توفر الرسالة السعودية باريس التي تردد أنها تعمل لتعديل الطائف على “البارد”.  

error: Content is protected !!