/ جورج علم /
شاهد على “لبنان الكبير”. ملمّ بتضاريسه. عابق برائحة ترابه. خبير في جغرافيّة قراه، ودساكره. تسلّق من القاعدة إلى القمة. عرف السهل والجبل بنتؤاته، وأغواره. من غادر قصر بعبدا قامة وطنيّة، وقيمة لبنانية عصرتها معاصر الأيام، وخمّرتها أجاجين السنوات، وعتّقتها المصائب، والنوائب.
دخلت حقبة الرئيس الجنرال ميشال عون محكمة التاريخ، بعدما انقسمت محكمة الرأي العام على نفسها ما بين فريق غاضب شامت، وفريق مؤيد مندفع. ومع غياب “الأدلة الجنائيّة”، والشواهد، وانتفاء وثائق الإثبات، يبقى الفضاء الجماهيري صاخباً بالإتهامات، أو الهتافات.
قال ما يريد قوله، على مدى أيام، وعبر وسائل إعلام محليّة وعالميّة. “بقّ البحصة”. أفرغ ما في جعبته من حواضر الواقع والذاكرة، إلاّ أن الزبد غالباً ما يحجب اللآليء، ويبقى للرجل خبرته نتيجة عراكه المزمن مذ أن كان جنديّاً أغر في عسكر لبنان، إلى حين أصبح قائداً للجيش، ورئيساً للحكومة، ولاجئاً في المنفى الباريسي، ثم رئيساً لأكبر كتلة نيابيّة في مجلس النواب، قبل أن يتكىء على أريكة القصر الجمهوري لست سنوات متتالية.
لا يُختصر عهد ميشال عون بحقبة رئاسيّة عصفت بين قناطرها جوائح عاتية، من الفساد، إلى “كورونا” ، إلى المرفأ، إلى ثورة 17 تشرين، إلى انفجار الليرة، وانهيار الأقتصاد، ومعه المؤسسات الضامنة. يُقاس العهد بتجربة “لبنان الكبير ” من بابه حتى محاربه، ولماذا على طول هذا المدى من السنوات والعقود لم يبن وطن الحريّة والكرامة، بل وطن “الأنا”؟. لماذا على مدى نيّف ومئة عام لم يبن لبنان الإنسان، بديلاً عن لبنان الفلتان، والهذيان، والهريان؟! هل العلّة في جعرافيّة الوطن، أم في المقيمين على أرضه؟ هل العيوب والثغرات في الكيان أم في الفئويات، والمذهبيات، والتعدديات، وصراع الحضارات، تحت مسمّى الحرص على الثقافات والخصوصيات عند كلّ طائفة، ومذهب، وفئة، وحاشية؟!
قال رأيه في مرحلة له فيها خصوم، ومناوئين، ولم يقل رأيه في حقبة امتدت على امتداد لبنان الكبير شهدت مراحلها ثورات، وإنتفاضات، ونكسات، وأيضاً إنفراجات، وشرفات مطلّة على إزدهار وتألق.
يرى الرئيس عون أن الطوائف أكبر من الطائف، وعندما تكون على هذا القدر من القوّة والنفوذ، يصبح من الصعب تعليبها بنصوص، وقوانين ترمي الى تدجينها والحد من نفوذها وامتيازاتها…