/سارة طهماز/
الإنجاز الذي طال انتظاره بات على مشارف خواتيم تاريخية سعيدة للبنان واللبنانيين، بعد 10 سنوات من الأخذ والرد، استطاع لبنان أخيرا أن ينجز اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي سيكون بإمكانه الخروج من المتاهة التي دخلها منذ ثلاثة أعوام بعد أن يمر ببعض المراحل التحضيرية لحقبة جديدة، لينتقل لبنان على إثرها ليصبح دولة نفطية.
ما هي المراحل التي ستسبق استخراج النفط؟ ومتى يمكن القول إن لبنان بلداً نفطيا؟ وأي نموذج من البلدان النفطية سيطبّق؟ خلال هذه المدة مازال لبنان يحتاج إلى استجرار النفط والغاز ..كيف سيتم إتمام الاتفاق السابق بحسب شروط البنك الدولي؟ ومن هي الجهة التي ستتولى كافة المهام؟ وكيف سينعكس النفط على الوضع الاقتصادي اللبناني؟.
تعتبر احتياطيات الغاز التي من المفترض أن تكون موجودة في لبنان، كافية لسدّ احتياجاته من الطاقة وتصدير الفائض مستقبلًا، وهذه الاحتياطيات تحمل أرقاماً مبشّرة للغاية، فعلى مدار العقدين الماضيين جُمِعَت بيانات “المسح السيزمي” ثنائي وثلاثي الأبعاد في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها 22 ألفاً و730 كيلومترا مربعاً، وبحسب المعطيات الأولية يوجد 25 تريليون قدم مكعبة من الغاز في الركن الجنوبي الغربي.
وتعتزم شركة توتال إنرجي الفرنسية البدء بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية فور وضع اللمسات النهائية على اتفاق الترسيم، وأكد ذلك وزير الطاقة وليد فياض، عقب لقاء وفد رفيع المستوى من الشركة الفرنسية مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في بيروت. وبذلك ستستطيع توتال خلال الأشهر المقبلة تأكيد الحقائق حول كمية الغاز والنفط الموجودة.
وفي هذا الإطار، لفت الخبير الاقتصادي الدكتور محمد موسى، في حديث لموقع “الجريدة”، أن الكميات المتوقع وجودها في المياه الخالصة اللبنانية هي كميات واعدة من الممكن ان تمنح لبنان مركزا هاما، ولكن حتّى الساعة لا نستطيع التحدّث عن “سمك في البحر”، ولكن لدينا الأمل في أن يكون هناك ثروات “هيدروكاربونية” عالية يستفيد منها لبنان، ومن المؤكد أن حوض المتوسط هو حوض واعد بحسب هيئة الجيولوجيا الأميركية ولكن علينا أن نبحث عن هذه المكامن النفطية، فعلي سبيل المثال حقل ّظُهر المصري، الذي يعتبر أكبر حقل في الوقت الحالي، ظهر فيه النط بعد بحث مضني، وبالتالي المسألة ليست سهلة.
الأجدى حالياً هو العمل على صندوق سيادي والاستمرار بالعمل مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة لبلورة حلول لأزمتنا الاقتصادية، كون موضوع النفط يحتاج إلى وقت، وبالحدّ الأدنى ثلاث سنوات، لاشك أنه سيكون عامل ثقة وجذب وسيغير من تعامل الدول الأخرى مع لبنان، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى وقت وعليه لابد من العودة إلى العمل على تنفيذ شروط صندوق النقد والدول المانحة عبر العمل مع الحكومة وبشكل خاص لأن لبنان مازال في الوقت الحال يحتاج إلى استجرار الغاز من مصر عبر الأردن، ولتحقيق ذلك يجب تطبيق الإصلاحات لكي يوافق الصندوق على منح الحكومة اللبنانية القرض المطلوب، والإضافة إلى ذلك يجب حل عقدة عقوبات “قيصر” على سوريا.
لا شك أن وجود وفد توتال يدل على الجدية، مما يؤكد أن توتال قبل لم يكن لديها القرار الخاص بها، بل انتظرت القرار الدولي لتتحرك وتصل فوراً إلى بيروت، وتقول المصادر إنها ستبدأ الحفر في الربيع المقبل، على أمل أن يتم تسريع دورة التراخيص الثانية ونرى شركات عالمية كبرى في لبنان، مع أول الاكتشافات النفطية. ومن ناحية أخرى على لبنان أن يشرع فوراً إلى العمل مع توتال عبر حكومة جديدة فاعلة، وتشكيل الهيئة الناظمة لقطاعي النفط والكهرباء وكل ما يتعاطى بحوكمة قطاع الطاقة.
وبالنسبة إلى الوقت الذي يحتاجه لبنان لاستخراج النفط، فأكد موسى أنه في حال تم وضع الـ platform على قدم وساق لن يبدأ الحفر قبل الربيع المقبل، ومن الممكن أن لا يجدوا نفط في بعض الاَبار، مع الأمل أن تصل المسوح الثنائية والثلاثية الأبعاد إلى “الهيدروكاربون” سريعاً. فحكومة الاحتلال الاسرائيلي بدأت التحضيرات منذ العام 2019 وحتى هذه اللحظة، والدليل أنها قامت بالتجربة من البر إلى البحر من الأنابيب، وبالتالي كل التحضيرات اللوجستية والتمديدات والمكامن والمنصات يحتاج تحضيرها إلى سنتين ونصف. وجزء من قوة لبنان في التفاوض على ترسيم الحدود هو الحاجة الملحة للأطراف الأخرى إلى ضخ الغاز من حقل كاريش الذي سيوفّر فائضًا من الغاز تحتاج إليه الأسواق الأوروبية.
عسى أن لا يكون مصير لبنان مثل فنزويلا وإيران، وكل ذلك يحتاج إلى حكومة توازن بين العلاقات شرقا وغربا للاستفادة منها، ومتابعة كافة الملفات العالقة.