مناورات روسية ـ صينية: حلف “وراسو” جديد؟
/ دايانا شويخ /
لم تهدأ الساحة الدولية من التوترات والصراعات والاتهامات التي تتقاذفها الدول، فالحرب الروسية على أوكرانيا لم تكن وحدها من أشعل فتيل الأزمات، بل أتت إلى جانبها زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان، وتبعها زيارة وفد من الكونغرس والتي صبت الزيت على النار وكانت على وشك الاشتعال بين بكين وواشنطن.
ومشهد الحرب الأوكرانية وتايوان ليسا إلا رأس جبل الجليد في تصعيد دولي علني بالعداء، فأميركا، بمعزل عن تايوان وأوكرانيا، تعتبر الصين وروسيا مصدر خطر وعدو استراتيجي، أما روسيا والصين فتجاهران بالسعي لكسر القطبية الآحادية التي سيطرت عبرها أميركا على العالم منذ نهاية الحرب الباردة العام 1990.
وسط هذه الأجواء المشحونة، أجرت روسيا مناورات وتدريبات مع الصين ودول أخرى. ويعود الهدف من هذه المناورات، بحسب تصريح وزارة الدفاع الصينية، إلى “تعميق التعاون العملي والودي مع جيوش الدول المشاركة، وتعزيز مستوى التعاون الاستراتيجي بين الأطراف المشاركة، وتقوية القدرة على الاستجابة للتهديدات الأمنية المختلفة”.
يشكل التدريب العسكري بين موسكو وبكين علامة مهمة على أن الشراكة بين الثنائي لا تزال صلبة، بالرغم من الحرب على أوكرانيا والعقوبات التي ألحقتها الدول الغربية بموسكو. وفي موازاة ذلك، تسعى موسكو إلى إظهار قوتها وتحالفاتها الدولية من خلال المناورات والتدريبات العسكرية التي ستستمر أسبوعاً بمشاركة الصين ودول أخرى. فما المغزى من هذه المناورات المشتركة؟ وهل تشكل ورقة قوة للثنائي الصيني ـ الروسي في وجه واشنطن؟
مناورات الشرق 2022
تعيدنا تسمية “فوستوك”، أي الشرق، إلى “حلف وارسو” العسكري من جهة، مقابل “حلف شمال الأطلسي” ـ “الناتو”، و”حلف شنغهاي”، ومجموعة “البريكس” على الصعيد السياسي والإقتصادي في مواجهة مجموعة السبعة الكبار من جهة مقابلة، وهذا يعني أن هناك معسكرين يقفان في مواجهة بعضيهما من خلال تجنيد كل منهما للدول الحليفة. وقد جرت مناورات “فوستوك-2022” من الأول حتى السابع من سبتمبر/أيلول الجاري، في أقصى الشرق الروسي، بمشاركة نحو 55 ألف جندي يمثلون قوات من دول عدة مثل الصين وبيلاروسيا والهند. كما شارك في المناورات أكثر من 5 آلاف وحدة من الأسلحة والمعدات العسكرية، بما في ذلك 140 مقاتلة، و60 سفينة حربية. وأشرف رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف على التدريبات التي تشارك فيها قوات من عدة دول من بينها الصين والهند ولاوس ومنغوليا ونيكاراغوا وسوريا والجزائر. واللافت في هذه المناورات أنها ضمّت اقوى ثاني وثالث جيشين في العالم، وهما الجيشين الروسي والصيني، بالإضافة الى الهند التي تحتل المرتبة الرابعة كأقوى جيش في العالم وفقا لبيانات موقع “غلوبال فاير بور” الأميركي للعام الجاري.
أهمية مناورات “فوستوك-2022”
بعدما تزايدت التشنجات السياسية بين واشنطن وموسكو، والعقوبات الاقتصادية التي لحقت بروسيا من الدول الغربية وعلى رأسها أميركا، كان لا بد من رفع وتيرة التعاون بين روسيا والصين على خلفية تشكيل حلف قوي يردع الهيمنة الغربية. وترى الصين أنها تريد دفع العلاقات بينها وبين موسكو “إلى مستوى أعلى”، في وقت تواجه موسكو عقوبات دولية وإدانات واسعة بسبب حربها على أوكرانيا. وعلى الرغم من أن الصين شددت على أن مشاركتها في المناورات المشتركة “لا علاقة لها بالوضع الدولي والاقليمي الحالي”، إلا أنها تعد إحدى أهم المناورات، نظراً لتوقيتها في الساحة الدولية وما تشهده من أحداث ساخنة، فـ”الاستفزازات الاميركية” دفعت الصين لاتخاذ خطوات مضادة وموازية للخطوات الاستفزازية التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاهها.
حلف في وجه “الناتو”
تأتي هذه المناورات والتدريبات العسكرية كمؤشر واضح على أن موسكو تسعى إلى خلق “حلف وارسو” جديد في ظل ما تشهده العلاقات الروسية ـ الصينية ـ الأميركية من توترات، وما يشهده العالم من تغير في موازين القوى المهيمنة، خاصة بعد العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا واصطفاف الدول الغربية في وجه موسكو، وعدم رضا واشنطن عن موقف الصين المحايد تجاه هذه الحرب التي تخوضها الدول الغربية بشكل غير مباشر في قلب أوكرانيا.
هذا الاستقطاب يعيد العالم إلى الحرب الباردة أيام “الناتو” مقابل “وارسو”، ولكنه ينذر بحرب عالمية حيث تقابل الحلفاء والمحور. والحرب العالمية الثالثة واقعة عملياً كما يراها الخبراء الذين يعتبرون حرب أوكرانيا وتوترات تايوان جزءاً منها، ويعتقدون ان المانع دون مواجهة مباشرة بين أركان هذه الحرب، اي روسيا والصين في مواجهة أميركا، ليس إلا الخشية من التحول السريع للحرب نحو السلاح النووي الذي لن يخرج بعده رابح، وحيث الكل خاسر. بينما يرى آخرون ان تشكيل هذا الحلف الجديد يشكل عامل ردع لفرملة الإندفاعة الغربية بقيادة أميركية نحو إشعال المزيد من بؤر التوتر، كما يقرأ الصينيون في التصعيد المتزايد حول تايوان.
وربما يكون ذا مغزى أن تضم المناورات التي تشكل نواة الحلف الجديد، دولاً من كل القارات، ولو كان الثقل آسيوياً، فهو أيضاً له مغزى، للقول للغرب ان العالم، شرقاً وغرباً، وان آسيا وأفريقيا في ضفة، وأوروبا وأميركا في ضفة. وهذا يعني المزيد من حروب إخراج أميركا والدول الغربية من آسيا وأفريقيا، وهي حروب قد لا تمر من دون خطر الإنزلاق إلى ما هو أصعب، بينما قد تشكل الأحداث الدراماتيكة الناجمة عن حروب الطاقة نقطة بداية تفاوضية للبحث عن ترسيم جديد للنفوذ في العالم، كما حدث في مؤتمر يالطا عام 1954 بعد الحرب العالمية الثانية.
وكأن الحرب العالمية الثالثة قد وقعت.. وإن لم تقع!