“الثنائي” يقطع الطريق على الفتنة: “غيوم” العراق لا “تُمطر” في لبنان؟

/ خلود شحادة /

قُرعت طبول الخطر، وأُطلقت صافرات الانذار، وكل الأنظار شخصت نحو بلاد الرافدين. المشهد العراقي أربك اللبنانيين لما فيه من تشابه إلى حد التطابق في بعض التفاصيل!

يُصنّف ما حصل أمس أنه “اشتباك شيعي ـ شيعي” في العراق، يحمل أبعاداً سياسية. ففي الشكل، يأخذ بعداً طائفياً، أما في المضمون فهو اشتباك سياسي بين محورين ممتدين على مساحة المنطقة، ويشكل لبنان ساحة خصبة لاشتباكهما، مع تغيير في الهويات المذهبية للمحورين.

في السيناريو العراقي، أُجريت الانتخابات النيابية في تشرين الأول الماضي، وجاءت نتائجها بتوازنات مختلفة عن المسار الذي كان يحكم العراق فترة طويلة. لكن مع ذلك، لم تنجح القوى السياسية في إنجاز انتخابات رئاسية ولا في تشكيل حكومة.

أما في السيناريو اللبناني، فقد أُجريت الانتخابات النيابية في أيار المنصرم، وجاءت النتائج بتوازنات متقاربة، لكنها أفقدت قوى “محور المقاومة” الأكثرية “المريحة”، ولم تشكل حكومة حتى اليوم، ويرجح أننا ذاهبون إلى فراغ رئاسي.

الوقائع متشابهة بين العراق ولبنان، وإن تغيرت الشخصيات والأسماء السياسية للمجموعات الممثلة في مجلسي النواب.
هذا العجز عن إعادة تكوين السلطة بعد الانتخابات في العراق، أدى إلى الاحتقان الذي انفجر في الشارع، سواء أكان مفتعلاً أو عفوياً، مع ترجيح وجود “مايسترو” استغلّ هذا الواقع، لتحريك الشارع بحسب إيقاع مصالحه.

وفي لبنان، هناك ما يدفع إلى القلق من أن يؤدي العجز عن إعادة تكوين السلطة بعد الانتخابات النيابية، إلى دخول “المايسترو” نفسه، أو “مايسترو” آخر، للدفع باتجاه انفجار الشارع…

فراغ السلطة، يؤدي إلى فوضى، معادلة سياسية ثابتة. وهذه الفوضى تسمح بدخول لاعبين كثر للعبث والاستثمار السياسي، خصوصاً أن لبنان يقف عند محطة تاريخية مرتبطة بترسيم الحدود واستخراج الغاز، في ظل أشدّ أزمة اقتصادية تعصف به.
النقاشات الدائرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى الشارع، توحي أن الانقسام في الرأي حول ما يجري في العراق، يشكل حطباً قابلاً للاشتعال بأشكال مختلفة.

انقسم اللبنانيون على وقع الانقسام العراقي، بين مؤيد لحركة الشارع في العراق على قاعدة أنها موجهة ضد ايران، وبين معارض لها على قاعدة أنها بإدارة أميركية.

وقد طفحت الاختلافات على سطح النقاشات عبر “تويتر” و”فيسبوك”. وتشكلت “جيوش” الكترونية في ضفتي المواجهة الافتراضية.
“جيش” للدفاع عن الجهة التي ترفض “السطوة الايرانية”، والتي يعبّر عنها زعيم “التيار الصدري” السيّد مقتدى الصدر.
و”جيش” يؤكد أن الحالة لا تسمح بالوقوف “على التل”، إما مع إيران و”محور المقاومة” أو مع “المحور الأميركي”.

هذه النقاشات، أنتجت خوفاً مشروعاً من فتنة تذر قرنيها في هذا الانقسام، خصوصاً أن المحاولات السابقة للفتنة في لبنان تكررت في أكثر من منطقة بأبعاد سياسية ـ طائفية متعددة، وقد تُجرب حظها في ساحة يفترض أن تماسكها يشكّل ضمانة للاستقرار.
من محاولة اشعال الفتنة الشيعية ـ الدرزية في شويا، إلى أخرى بين السنة والشيعة في خلدة، ومؤخراً بين المسيحيين والشيعة في الطيونة… محطات كانت من المفترض أن تشعل حرباً أهلية مجهولة النتائج. ولكن وعي القيادة الشيعية آنذاك، أدى إلى اطفاء أي شرارة بإمكانها اشعال البلد وجره إلى حرب، هدفها الأول والأساسي خرق الصف الشيعي، الذي ظل متماسكاً في ظل التشرذم الذي لحق بكل القوى السياسية الممثلة للطوائف الأخرى، وفي مسعى الى تطيير الانتخابات النيابية آنذاك بذريعة “الحدث الأمني”.

كان لافتاً، وفق المعطيات المتوافرة، أن البيئة الشيعية في لبنان، تعاطت بوعي مع خطورة المرحلة ربطاً بالحدث العراقي، واستطاعت التعاميم الداخلية لـ”الثنائي الشيعي”، “حزب الله” وحركة “أمل”، أن تلجم بعض الأصوات الناشزة التي حاولت رمي الحجارة في البركة الهادئة التي يشرب منها الطرفان.

وقد جاء موقف زعيم “التيار الصدري” السيد مقتدى الصدر، الذي لجم الفتنة، ليهدئ التوتّر ويتنفس القلقون الصعداء، وذلك بعد حبس الأنفاس نتيجة المشهد الدموي في العراق.

أطفأ الصدر نار الفتنة في العراق، وربما تتجه الأمور نحو تسوية مع الأطراف الأخرى، بانتخابات نيابية مبكرة. لكن الحذر مستمر من أن ينتقل “المايسترو” بمخططه إلى لبنان لإشعال الفتنة مرة جديدة، بعد سقوط مخططه في العراق، إلا إذا كانت محاولاته على أرض الرافدين لم تنته بعد.. ويحضّر سيناريوهات جديدة قد تنكشف أنيابها في الأيام المقبلة!

error: Content is protected !!